سارقة الأرواح > مراجعات رواية سارقة الأرواح > مراجعة Ahmed El-Kbeer

سارقة الأرواح - محمد إسماعيل
تحميل الكتاب

سارقة الأرواح

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

قبل ضربة البداية

هوايتي: تجييش الاقتباسات الداعمة للانطباعات عن العمل. هذه الرواية استثناء؛ لأنها حديثةُ عهد بنشر. ولأني أجتهد لكي تطرق بنفسك أبواب الرواية... الآن. الأكيد؛ ما أقلعت حرصًا على معدلات الـ "تيرن أوفر" السنوية بالشركات، بعدما تأكد للجميع أن "الكيانات الكبرى ثقوب سوداء"😀.

بعد صافرة الحكم....

*** سارقة الأرواح سيناريو جاهز من محمد اسماعيل ***

تقول الكاتبة إنعام كجه جي: "من قال إن الكتابة الأدبية موهبة فحسب؟ أورويل يؤكد هنا أنها ملاحظة وتدقيق ومراجعة وتحوير وتشذيب وضبط موسيقى المفردات كما يُدَوْزِنُ العوّاد أوتاره". بالطبع صحيح. وصحيح كذلك وبحيادية كبيرة توسيع مظلة المتمرسين فيما أكّده أورويل ليشمل محمد اسماعيل ومعزوفته الجديدة سارقة الأرواح الصادرة هذا العام عن دار العين للنشر؛ فقد دوزنَ الأوتار ولاحظ ودقق وراجع وحوّر وشذّب، فخرجت لحنًا معقدًا ومبتكرًا.

تتجلى أولى مظاهر الدوزنة في الغلاف. الصعود على مسرح العالم نحيلًا هزيلًا، وإشارة الساعة التاسعة (موعد الدوام – الرسمي - لكوكب الأرض). ما آلية الصعود؟ ولماذا لا يتسنى إلا بالنحالة والهُذال؟ وما الرابط بين الصعود وسرقة الأرواح؟.. غموض وإرباك.

ثم يتسلل الخوف آخذًا موقعه بجوار الغموض والارتباك أثناء قراءة الإهداء. الإهداء بحد ذاته مخيف، سيّما وأن موت المُهدى إليه لا يزال حاضرًا في الأذهان بأسبابه المثيرة للغثيان والشفقة والبؤس.

الدخول إلى الصفحات بكل تلك المشاعر الضاغطة؛ يلعب دورًا في إنبات التوجس من الجري بالحدوتة في مسار دراما الوعظ والإرشاد الموجّه: مقاومة استنزاف العولمة لرحيق الوطنية، وفي سيرة اسماعيل المهنية المنشورة مقتضبة ما يُسيغ افتعال هكذا مواجهة، يكفيه القدوم من عملاقة البزنس المتعدد الجنسيات، ومن ثَم لو أشعلها حربًا ضروسًا على الرأسمالية والبزنس العابر للقوميات بمخرطتيهما الحادّتين: النفوذ والثروة، ومخروطهما من أشلاء المبتورة أعضاءهم مع كل مليم تفقده العملة الوطنية بفعل فاعل؛ لو أشعلها لجيَّشت هكذا حبكة ألتراس مشجعين يتقافذون على أنغام الدخلات الحماسية، في أممٍ أمثالنا لازالت تتأرجح بين لعب كأس العالم للسوق المفتوح والتجارة الحرة في وجود حكم الفار، وبين رقص الاستبرتيز على الحواف الأربع لبطاقة دعم الخبز. (تنويه: لا أحب كرة القدم. لا أمتلك بطاقة تموين).

لكنه لم يُشعل. حتى إن الصراع هنا ليس خيرًا يواجه شرًا. صحيح أن مُستقبلات المواقف والأحداث عند البشر تُفرز إما خيرًا أو شرًا، والسكوت والتغاضي كردود أفعال عليها (أي المواقف) يُفسر في سياقه بأحدهما، غير أن اسماعيل لما ضبط إيقاعه عزف سيمفونية أشد صخبًا من ذلك.

مركز الحبكة هنا: من تكون؟ وإلام تهدف؟ والشواهد تؤكد أنهما سؤالان مطاطان، متغيران الإجابات من النقيض للنقيض بمرور السنون، وبخاصة حينما يخفت الانبهار ويتلألأ الزيف. حينها قد تكون ثم تصبح، وقد تستهدف ثم تحول بوصلتك عكس الاتجاه تمامًا. اختصارًا؛ تدقيق اسماعيل أوقر في يقينه الحقيقة المطلقة: طرف الخيط دومًا في يد البشر.

صحيح أن أسعار الأسهم في البورصة دونها رِقاب كل منتسبي الشركات، وقومياتهم، وحتى أحلامهم الشخصية، وبالتالي واقع كهذا له يد في تبدّل الإجابات، ولكن توسيع زاوية الرؤية يثبت أن نفس الرعونة كائنة في مؤسسات أقل بكثير، وغارقة في المحلية، ولا تضارب في البورصة، ولا يسمع عنها أحد. إذن؛ الفاعل في تبدّل الإجابات أيادي، والشركة مجرد رقم في معادلة الحياة؛ ولأجل ذلك اهتم كاتبنا مع كل شخصياته بملاحظة أدق تفاصيل ملامح الوجه، رائحة الجسد، إنثناءات القوام، مرتكزات التنشئة، مكونات بيئة السكن، الخلفيات الأكاديمية والوظيفية.

وظني والله أعلم أنه آثر أن تظهر انعكاسات "بتروجلوب" مُلثَّمة، تتمشى من حين لآخر صامتة لعدة أمتار محدودة من السطور؛ فقط لتلفت نظرك إلى: حقًا تكوين عماده السلطة والثروة يُفرز كل هذا العطن، لكن لا تنسى أن الصفة البشرية أعقد تشابكًا بكثير. وإلا لما نجد العطن في مؤسسات حكومية معدومة الميزانيات. وإلا لماذا خرجوا جميعًا من دائرة الاعتدال إلى زوايا الخطيئة؟!

حيث في الزوايا: اغتال "وليد البدوي" الصداقة، والتي أشك أنها أينعت في قلبه أساسًا. صبّت "ليلي" قلقها في الّلئُم. منَّى "أشرف" نفسه بالأحسن في الخيانة. تطلّعت "سماح" للرفعة بالدونية. أوْحَل "محمد السعيد" وجهه. استساغت "إلهام" الإهانة بالوهم... إنه الاستعداد الفطري أولًا، والباقي رتوش.

حتى "ماجد عبدالباقي" الذي ما فتئ الجميع يصفونه بأحب ما يوصف به إنسان: "ابن أصول، صعد بمجهوده وعلمه". حُشِدت له وراء السطور تلميحات تهمس في أُذن القارئ: "اصبر، لا تتعاطف إلا بعد كلمة "تمت"". فكان "ماجد" وأصبح بعدما تغيرت البوصلة. "نيفين" هي الأخرى (التي ستصبح بعد قليل سوزي) بطموحها لنقل "يارا" نقلة وظيفية وحياتية لا تقل عن ثلاثين عامًا للأمام؛ تنتهي معها إلى التساؤل: هل تخدم "يارا" أم تخدم نفسها، هل تفتح لـ "يارا" طريقًا أم تُهلكها؟. والأهم: كيف تستبدل في ستينيتها المال بالسمعة، والرفت بالتقاعد؟!

هكذا جرى اسماعيل بالصراع إلى أعمق نقطة ممكنة. استبق خيالي خياله مرات. عادة مضرة بالصحة وتسبب الحسرة ما لم تلفُق. مثلًا: في تسجيل ادعاء تحرش "ماجد" بـ "سماح" بالصوت والصورة، لفقت هذه المرة، بيد أني توهمت وجود بقية من إنسان عند أحدهم، وما إن يظهر دليل البراءة؛ حتى تقوم الدنيا ولا تقعد إلا باستئصال الفسدة والأفَّاقين والمنبطحين معدومي الموهبة، وكنس السلم من أعلى على طريقة سنغافورة. ولأن خيالي محدود وخياله أرحب، ولا أجيد التحوير والتشذيب وهو مُجيد؛ صاغ بمقطع الفيديو حيثية جديدة تؤكد الحكم الحياتي: طرف الخيط دومًا في يد البشر.

وعلى ذكر الصياغة؛ تكنيك الحكيّ في الرواية لم يتجاوزه الابتكار والتعقيد، شأنه شأن العناصر الأخرى، فالاتجاه إلى السرد بهذا الشكل الملحمي من الأحداث المتلاحقة في مشاهد قصيرة محكمة البناء، حتى لا يكاد يخلو فصل/مشهد من حدث أو أكثر، أكسب القراءة حيوية منقطعة النظير.

في الحقيقة هكذا سرد محفوفٌ بالمخاطر نوعًا ما، فقد يساهم تلاحق المشاهد وما تحتضنه من أحداث في تشتيت الانتباه وقلة التركيز، إلا أن حلول الحيوية والتركيز محل التشتت؛ أتى من الاختيار الموفق أيّما توفيق للفصحى الوسطية (الشكر واجب لشخص المدقق اللغوي)، وكذا من بلاغة المجازات في التصوير، وعذوبة الكنايات في التجسيد، وسلاسة الاسترسال. فضلًا عن إنبات الجمل الحوارية من صميم المشهد/الحدث، لا زجّها لتفسير وإيضاح ما فات وآن، أو لإضفاء هالة غموض على ما هو آت، كما يفعل ظرفاء آلهة السرد (خيبة الله عليهم وعلى هالاتهم الباهتة).

ومن ثَم؛ شكلًا وموضوعًا وتيمة وكتابة؛ تكون سارقة الأرواح سيناريو جاهز من محمد اسماعيل مؤهل للعرض على وسائط مرئية، ومستعد لدخول البلاتوهات الأسبوع القادم. مؤهل ومستعد بدراما هَرِمنا لأجلها بعدما سحقتنا دراما: طلقني لانتوائي خيانتك مع صديقك، واكتسحتنا دراما الصفيح حيث: البلطجي أعوج الفم ملخصًا عصارة مشيه البطَّال في سلوجن عصيّ على الفهم.

سارقة الأرواح سيناريو جاهز أُهدىّ فيه المخرج ومدير التصوير ومهندس الديكور ومصمم الملابس... بسخاء لا يُضاهى أدق سمات ما يناهز 30 شخصية من: أبطال، ضيوف شرف، ظهور متميز، كومبارس متكلم وصامت. علاوةً على طراز أقل اكسسوار في كل لوكيشن.

لتشجيع منتجينا الكرام على الإقدام؛ لنتبرع نحن قراء الرواية باقتراحاتنا في الكاستيج، وسأبدأ: تلعب شخصية نيفين: سوسن بدر، وتلعب مشاهدها كسوزي: صبا مبارك. الأسباب: تأكيدًا على محلية الملامح. أبعاد الشخصية بحسب ما أراده اسماعيل تتطلب عضلات وجه مُدربة على التقمص الحقيقي لا تقمص الفلاتر. بيني وبينك وبصراحة متناهية وشفافية مطلقة؛ صبا – تمثيليًا - رقم 1 على قائمة 5 يثبتون أن البني آدم أصله بسبوسة... بالبندق.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق