الراعي > مراجعات رواية الراعي > مراجعة إبراهيم عادل

الراعي - حنان سليمان
تحميل الكتاب

الراعي

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

سبتمبر ٢٠٢١.

.

في روايتها الأولى تقدمّ حنان سليمان تجربة شديدة الثراء والخصوصية لعالم ربما لم يتم تناوله بشكلٍ كافٍ في الأعمال الروائية، ولاشك أنه لم يتم التعامل معه بهذه الكيفية والطريقة الذكية والصادقة التي طرحتها الكاتبة في روايتها، كل ذلك بالاعتماد على لغةِ عربية رصينة (يجب الإشادة بها) استطاعت من خلالها أن تعبّر عن شخصيات العمل بكل دقة، بالإضافة إلى استعانتها ببعض اللهجات المحلية سواء مصرية أو مغربية.

الراعي .. رواية تقتحم بهدوء عالم واحدة من الطرق الصوفية "السليمانية" التي تسعى في ظاهرها إلى تقريب الناس من الله وذلك من خلال جلسات روحانية وطقوس خاصة وانعزال عن المجتمع، وغير ذلك مما قد نشاهد بعضه في الكثير من الطرق والجماعات الصوفية المنتشرة في مصر وغيرها من الدول، ولكنها هنا تركز على طريقةٍ بعينها يأتي شيخها من المغرب لبسط نفوذه وسيطرته على الفتيات تحديدًا في مصر وليبيا وغيرها.

يقولون لها:

((معصية العقل أشد من معصية الجوارح، والدين غيب، ومن مسّ الطيب علق به شاء أو أبى، فانظري في نفسك، هل علق بكِ طيب، أو أننا أردنا بكِ شرًا؟ فإن كان طيبًا فاعلمي أن الشيطان يوسوس لكِ ليصدكِ عن الطريق، أو نفسكِ تراوغ لترتد، فاتهميها وتشبثي بالخيمة، أمّا إن علق بكِ شرٌ ففارقينا.

أسهلُ الفراق هكذا؟

لماذا لا يدوم أي جميل؟ تساءلتُ دومًا، علاقات هشّة وتعلق في غير محله، فأنا في وسط ملتزمٍ متدين يُرضي الله، أو هكذا اعتقدت، جديدةٌ أنا عليه لكن مُرحبٌ بي، أتيتهم قبل سنوات مفعمةً بالأمل والحماس والإشراق والأمل، أتيتهم عطشى أبحث عمن يرويني، وسرعان ما اندمجت بينهم رغم أي فروقاتٍ دنيوية ودينية، لكن حتى صُحبة الخير لم تدم، وبدلاً من أن نقتفي سراب قربٍ من الله، هوينا في سردابٍ مظلم ليس فيه باب خروج!))

فكرة جيدة ومهمة جديدة وصراع واضح ولغة متماسكة، لم يبق إلا طريقة العرض وأسلوب السرد، الذي يختاره الكاتب، الطريقة التي سيجعل القارئ مندمجًا متفاعلاً مع الأحداث والمواقف أو ربما تصده عنها بشكل كبير، فكل المواضيع والأفكار مهما كانت مهمة وقيمة يمكن أن تعرض بطريقة منفرة غير جذابة.

وكانت الطريقة التي اتبعتها الكاتبة في عرض فكرتها موفقة إلى حدٍ كبير أيضًا، فقد اختارت أن تقدمها من خلال ضحيتين/بطلتين يختلفان كثيرًا في المواقف والأفكار، ولكن جمع بينهما الانضمام لتلك الطائفة، مثلت الأولى "وفاء" صوت المرأة العاقلة الرزينة، التي لم تمنعها تربيتها غير المتدينة من الانخراط في تلك الطائفة ولكن عقلها كان حاضرًا لم يسمح لها بأن تذوب داخلهم ولا تنسحق بأفكارهم، واستطاعت أن تجد لنفسها طريقًا للنجاة، في حين جاءت "فاتن" لتمثل جانب المرأة العاطفية التي تفكر بقلبها أولاً ويقودها في البداية نحو الحب والانغماس في العلاقة العاطفية التي افتقدتها ووجدتها أخيرًا في ذلك الشيخ القدوة، ولكن ما إن تكتشف خطره وغوايته حتى تنقلب عليه لتكون سببًا في نهايته. فاتن التي:

(تعلمت كيف تصطاد رجلاً أعجبها، تتعرّض له، تطوف حوله حتى تحيط به وتحكم الشباك فلا يرى غيرها، حتى يتقدم نحو الوردة المتحين قطافها، تحجاوطه بميوعتها وتكسرها برائحة عطرهخا المثيرة، بخصلاتها الناعمة المنسلة من تحت خمارٍ مرتاح والمرسلة أحيانًا على أطراف وجهٍ مضيء كضي القمر بشفاع نضرة ممتلئة.. )

استطاعت الكاتبة أن تختزل في الرواية وتكثّف العديد من المواقف والمشاعر والأفكار بشكلٍ مدروس، لاسيما في الفصول الأولى من الرواية، فهي تشير (على الرغم من قلة عدد صفحاتها التي لم تتجاوز 140) إلى عالمٍ وتجربة ثرية لا تعتمد على خيال الكاتبة فحسب وإنما تستند ولاشك لوقائع وممارسات اجتماعية واقعية شديدة الخطورة (تشير إلى بعضها في آخر الرواية)

حينما يدخل القارئ عالم الرابطة، ويتعرّف على عددٍ من أفرادها لاشك سيكون لديه رغبة في التعرف على أفرادٍ آخرين، ربما يتمكن من خلالهم من التعرف على جوانب أخرى لتلك الرابطة، فمثلاً كنّا نحتاج أن نسمع صوت "فضيلة" التي تبدو وكأنها ذلك النوع الذي استجاب وذاب في الكيان تمامًا فأصبحت واحدة من القطيع راضية مستسلمة. كذلك فإن الفصل الأخير جاء أكثر تسرعًا في نظري، والتعريف بعدد آخر من الشخصيات فيه (الشيخ طاهر ومنير وجدي) لم يكن على مستوى الفصول السابقة، وكأن الكاتبة أرادت أن تنتهي من كل ما حكته دفعة واحدة.

والراعي وإن كانت تدق ناقوس الخطر وتلفت الانظار والانتباه إلى فئةٍ لم يتم التركيز عليها بشكلٍ كبير، خاصة أنها جماعات دينية غير مسيسة (بعد أن ضربت الدولة جماعات الإسلام السياسي) إلا أنها تلفت نظر القارئ والمجتمع أيضًا إلى كل راعٍ، وكل سلطة تتخذ من الدين أو الإعلام أو أي شيءٍ ستارًا لها لتجمع وتقمع وتمارس أدوارًا للهيمنة والاستغلال، وكيف أن من واجب كل منتمٍ إلى أي تجمع بشري مهما بدا عليه من الطهر والنقاء أن يعمل عقله ويفكّر في كل خطوة وكل توجه قبل أن ينضم أو ينجرف في التيار.

ربما تذكرنا رواية الراعي بعدد من الأعمال والروايات التي تناولت الطرق والمشايخ وعالم التصوف، وإن جاء الأمر بشكل مختلف، وتم رسم الصراع والحالة بطريقة أكثر اختلافًا، فأنا أذكر هنا رواية "أمطار صيفية" والصراع الذي دار فيها بين الروحانية والمادية، وكيف برع القرملاوي في رسم عالمه وشخصياته ليعبّر عن تلك الحالة شديدة الخصوصية فيما بدا الشيخ ذاكر طرفًا بعيدًا.

في النهاية نحن إزاء علم روائيٍ شديد التميّز والخصوصية، وشهادة ميلاد قوية لكاتبة روائية متمكنة من عالمها وأدواتها، ننتظر منها الكثير ولاشك أيضًا أن لدى حنان سليمان الكثير الذي تخبرنا به سواء في مناقشة الرواية، أو في أعمال روائية وأدبية قادمة.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق