الشريد > مراجعات رواية الشريد > مراجعة Mina Said

الشريد - خالد عبد الجابر
تحميل الكتاب

الشريد

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

"الشريد" .. الهوية وصراعات الإنسان النفسية

ربما يرتبط سر عشقنا لبعض الأعمال الأدبية بمدى قربها من أنفسنا وحجم بقعة الضوء التي أنارت به دروبنا في الحياة مستلهمة نورها من إبداع ورؤية كاتبها..

ربما أيضًا من أسباب العشق لبعض الأعمال الأدبية يكمُن فيما تحمل من مشاعر إنسانية أو في قدرة الكاتب علي التعبير عن هكذا مشاعر قد يصل بها عقل وروح القارئ حد التلامس..

رواية "الشريد" للكاتب خالد عبدالجابر الصادرة عام ٢٠٢١ عن "منشورات بتانة" .. رواية تحمل الكثير من أسباب هذا العشق للأعمال الأدبية رغم أنها أول عمل روائي للكاتب الموهوب

الكاتب الشاب وهو من مواليد ١٩٨٣ في مدينة طنطا -وهو أيضًا مهندس معماري- وقد قدم لنا وجبة أدبية دسمة تستحق القراءة والتأمل كما أستخدم الكاتب ذكاءه مع القارئ بشكل يدعو للدهشة والأعجب بهكذا تجربة روائية هي الأولي.

_إهداء يحمل فكرة:__

نحن أمام كاتب في منتهي الذكاء إذ أنه من البداية أراد أن يورط القارئ كشريك في صياغة أحداث الرواية .. فيبدأ بإهداء لقارئة واحدة مكتفياً بها عن الكل .. فيضع القارئ الممسك العمل بيده في دور "الشريد" وكأنه مرفوض من البداية وما أن يصل القارئ لهكذا إنفعال حتي يجد الكاتب وقد صاغ إهداء ثاني كمقدمة للعمل لكل "المشردين" في كل الأرض والمرفوضين فينضم القارئ تلقائيا إلي من أهدي الكاتب لهم عمله ..

_"أن تحيا بلا ماضي" .. هذا هو المرض:__

حادث سير مروع يسقط علي أثره بطل العمل فور إصطدامه بإحدي السيارة في الطريق ما نتج عنه نقله إلي المستشفي بين ميت وحي وبعد مرور عشرين يومًا يتحول البطل بين فقدان الوعي والأستيقاظ ويبدأ في التحسن نسبياً وبشكل تدريجي .. وما أن يبدأ البطل في التحسن والإفاقة حتي تبدأ معاناته فلا هو يحمل بطاقة لهويته ولا يمتلك أوراق يُستدل بها عنه ولا هو مُتذكر لأي شئ من حياته السابقة والأغرب أن ولا أحد سأل عنه ..يخرج الشارع بحثا عن هويته ولا يجد من يساعده حتي الممرضة إيمان التي أسمته "نور" لم تستطيع منعه من التشرد رغم محاولاتها التي أعتبرها البطل إحسان كبير .. يخرج "نور" للشارع يتشرد بلا معين ويتقابل مع نماذج كثيرة من مجتمع المشردين ليضعنا بتحريض من الكاتب في قلب مجتمع يحيا وسطنا ولا نشعر به يجعلنا نقترب فنشاهد الصور عن قرب كأوضح ما يكون..

وفي أثناء بحث "نور" عن هويته خلال رحلة شيقة يتعرض الكاتب لفكرة "الهوية" بشكل مُوسع وكبير وعميق إذ يطرح تساؤلات .. هل الهوية في الماضي ..هل شخصيتنا في هويتنا الدينية هل العمل هو الهوية الحق للإنسان .. هل الاهم الهوية ام الأمان .. فيقول:_

"فإذا كان الشارع هو الملاذ الوحيد فيما هو قادم، فالأفضل أن أن أعيش في الشارع مطمئنًّا وليس هاربًا"

_أن ينتصر الأدب للإنسانية:__

خلال بحث "نور" عن هويته يتعرض للتشرد ينام علي الرصيف يفترش الأرض ويلتحف السماء ..يتقابل مع شخصيات كثيرة .. يتنقل بين حيوات كثيرة ومختلفة يعرض علي القارئ هذه الحكايات تباعًا كمشاهد سينمائية شيقة ومؤلمة ولكنها تحمل الكثير من المشاعر الإنسانية الراقية ..

نتقابل مع "عم سيد" الشريد الذي ضحي بهويته في مقابل قلة حيلته أمام إحتياجات أبناءه المادية ليضع الكاتب بذكاءه المعهود قارئ العمل في إختبار جديد بعد عرض شيق لقصه عم سيد هل يلام عم سيد ام نلتمس له العذر .. بل إن الكاتب كان من الذكاء أن طرح أمامنا الرأيين وترك الحكم للقارئ كفاعل وشريك في العمل له حق الإختيار والرضا بما سيختار أو الجدال حتي لو مع نفسه..

ولكن القصة الأكثر ألما ووجع هي قصة "عبد الرحمن" الشريد الشاب والذي يعاني الوجع والمرارة والتشرد بعد وفاة أمه وزواج أبيه من إمرأة نغصت عليه حياته .... الام .. السند في الحياة .. هل لو ماتت تموت معها هويتنا أو تضيع؟ .. هنا يطل علينا ذكاء الكاتب مرة أخري إذ يترك الحكم كاملاً للقارئ فلا يتعرض للقصة من الأساس بل يترك المناقشة والحكم بالكامل لذهن القارئ.

_هل أعتدنا الغربة .. آنستنا وتآلفت قلوبنا معها:__

بعد تعرض "نور" لتجارب قاسية لمدة عام في أثناء تصاعد الأحداث نكتشف جزء من هويته وهو "وظيفته" وبعدها تدخل "ملك" في الصورة لتغير سلوك البطل والذي قرر الاستغناء عن هويته وتآلف مع غربته وسط مجتمع قاسي وما أن ظهرت "ملك" في حياته وهي التي تنتمي للطبقة الراقية وتقرر مساعدته بل وتشجعه علي المضي قدما في سبيل إستعادة هويته حتي يصلا إلي نهاية طريق كانا قد بدأه معا لنصل لنهاية شيقة ومثيرة ودافئة تحمل الكثير من الإنسانية.

_العادية الممتعة .. والمُتوَقْع المُبهر:__

رجب: أربعة .. بوروروم..

الشاويش عطية: بوروروم!! شغلتك علي المدفع بوروروم؟!

هل تذكرت المشهد بالكامل؟نعم"إسماعيل يس في الأسطول" هل شاهدت المشهد أكثر من مرة وضحكت في كل مرة؟!

أسمح لي أيضا أن أسألك سؤال آخر .. هل تتذكر دموع "نجيب الريحاني" في فيلم "غزل البنات" ..هل تأثرت لدموع أستاذ حمام مع خلفية موسيقار الأجيال:

"وكل دا وأنت مش داري يا ناسيني وانا جنبك ..

حاولت كتير ابوح واشكي واقرب شكوتي منك..

لقيتك في السما عالي وأنا في الأرض مش طايلك"

هل بكيت مع الضاحك الباكي "نجيب الريحاني" برغم أنك شاهدت المشهد ربما عشرات المرات د؟!

وأنا أيضا مثلك ..ضحكت مع "سمعه" وبكيت مع "الريحاني"

وهذا ما اقصده بالعادية الممتعة التي شعرت بها في هذا العمل فبعض الأحداث كانت عادية أو مُتوقعة ولكنك لا تملك إلا الإعجاب بالحدث وتنتظر ما هو قادم من مفاجأت قد لا تحدث ولكن المتعة حاضرة وطوال العمل لم يسجل الملل حضوره ولو لمرة واحدة في عمل تخطت صفحاته حاجز المائة الثالثة.

الموهبة الحق والكتابة الجيدة والفن الحقيقي دائما يدوم..

استخدم الكاتب خبرته كمهندس معماري وموهبته ككاتب واعد في "بناء" عمل روائي مكون من مشاهد سينمائية بإمتياز ورسم شخصياته بمنتهي الدقة التي تجعلنا نلتقي بهم ونتعامل معهم طوال فترة مطالعتنا للعمل وربما لأيام بعدها.

تري "فتحي" الماكر وتكره أو ربما تحبه كشخصية مرسومة بمنتهي الدقة لتعبر عن الخيانة والغدر .. "إيمان" الممرضة التي تخطت عقدها الخامس والتي تحمل في قلبها الكثير والكثير جدا .. "ملك" الملاك الذي أرسله الله لنور ..أنقذها نور من الموت فأنقذته هي وعبرت به إلي الحياة ..

"بطل العمل" الذي لا يحمل اسم وذلك الأمر يساعد القارئ لكي يتوحد معه فيحيا تجربته ويزداد الشعور وتزول المسافات بينهما .. وحتي لما تم اختيار اسم للبطل ليُنادي به كان "نور" ..ربما ليهدي القارئ صورة أوضح كلما تعايش معه طوال صفحات العمل ...

كما ستلاحظ أن النصف الأول من العمل يغلب فيه الحوار نوعا ما عن السرد مما يساعد علي تجربة قراءة سريعة اما في النص الثاني من العام فيتوازن السرد للأحداث مع الحوار واللذان بالمناسبة كانا بالفصحى كليهما .. فصحي أنيقة مناسبة لكل شخصية دون تقعر أو إسفاف .. كما أستخدم الكاتب اللغة التأملية أحيانا حيث تم ثتبيت الحدث ووصف المشاعر التأملية أذكر مثلا: (جلس علي طرف سريره مواجهًا تلك النافذة الصغيرة ....علي جانب أحد الأسوار هناك من يستلقي نائمًا بتلك الملابس الرثَّة.... لم تؤثر فيه أو تقلق نومه، عشرات أو مئات البشر يحمل كل واحد منهم بداخله سرًا أو حياة خاصة لا يدركها من يمر بجواره... قطع ذلك المشهد صوت الممرضة............).

العمل ملئ بالشخصيات والأفكار والمشاعر والتي لن استطيع أن أضمها أو اعبر عنها مهما كتبت ..

كما يجب أن نُشيد بمجهود الكاتب الجبار في مجال الطب والطب النفسي وتقديم معلومات طبية غزيرة بمنتهي الدقة وداخل سياق العمل دون إقحام أو تفلسف..

كما أن العمل ملئ بالعبارات والجمل العظيمة والتي تحتاج إلي أُطور لتتعلق علي جدار القلب لدي كل قارئ ..مثلًا

(هل تظنني أخشى الموت؟!

أنا لا أعلم لماذا يخشى البشر الموت؟! علي الرغم من انهم إذا تركوا لأنفسهم مهلة في التفكير فسيجدون أن الموت شىء جميل، وربما أيضًا هو هدية من السماء، لماذا نتشبَّث بدنيا مليئة بكل تلك القسوة والظلم والتعنُّت. ....... أنا لا أعلم كيف يمكن لإنسان أن يخشى إنهاء تعاملاته مع البشر ليبدأ في التعامل مع الله.

الموت بداية حياة، وليس نهايتها.)

كما يجب أن أُشير إلي أن لحظة معرفة البطل لهويته بالكامل كانت فاترة بالنسبة لسخونة العمل وسرعة إيقاعه لكني أعتقد أن الكاتب تتدارك هذا الأمر وعالجه بكمية كبيرة من تصاعد الأحداث في الثلاث مشاهد الأخيرة ..

ختامًا .. هو عمل راقي يستحق الإشادة والقراءة كما أنه من الجدير بالذكر ان العمل وصل للقائمة القصيرة من مسابقة iRead عام ٢٠٢١ ..

الحقيقة أن هذا العمل قادر أن يغير فكر كل إنسان تجاة المشردين كما حدث معي وأصبحت نظرتي لهؤلاء المساكين تختلف عن ما قبل قراءتي لهذا العمل البديع.

#نادي_القراء_المحترفين

#رواية_الشريد

#خالد_عبدالجابر

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق