الرواية كلها تمثل تيار الوعي في أفضل أشكاله وفي أبهى صوره ، تأتي كل الأحداث والتفاصيل على لسان الراوي بأسلوب التداعي الحر للأفكار ، ينتقل بسلاسة من زمنه الحاضر إلى الماضي ، ثم يعود للحاضر مرة أخرى ، يبدأ حكايته بسرد يومياته مع البواب والخادمة التي تأتي لتنظف الشقة ، ثم يتذكر أولا أمر الرسالة التي وصلته من قارئة مجهولة ، لم يهتم لشأنها وقتها ، فهو شاب له علاقات كثيرة ، مندفع ورومانسي ، لذا لم يشغله كثيرا أمر الرسالة ، لكنه انشغل بها بعد مرور عقود كثيرة ، وهو على يقين من أن صاحبتها لاقت ربها ، يشعر بالندم متأخرا من أن يكون تسبب لها في ألم وشعور بالدونية وعدم الاستحقاق.
تتوالى الأفكار عند الراوي ، يحكي ذكريات طفولته ، مشاعره تجاه أمه وأبيه وأخته ، وحده من بقي منهم ، كلهم رحلوا إلا هو ، يرسم لنا الكاتب على لسان الراوي ملامح الفترة التي عاشها شابا ، من 1950 – حتى النكسة ، يصف لنا شخصية عبد الناصر ، السادات في لمحة خاطفة لكنها معبرة ، دون الاسترسال في التفاصيل ، لكنه عندما يصل إلى حكايته مع الفيلم والبطلة المرشحة له ، والرواية التي بني عليها سيناريو الفيلم ، نلمح أيضا بعض سمات الرجال المحيطين بالرئيس في تلك الفترة من تاريخ مصر تحديدا ما قبل النكسة ، كلها لمحات خاطفة وسريعة لكنها ذكية ومعبرة .
**
يحكي لنا ذكرياته مع البطلة ، نلمس معه بغوصه داخل نفسه وذاكرته البعيدة كل ما يمكن أن يمر به الإنسان من مشاعر الحب والخوف ، الترقب والطموح ، الامل واليأس ، الرغبة والنفور .
***
افضل مشاهد الرواية بالنسبة لي ، عندما أحرق الرسالة وندم بعدها ، وعندما سخر من نفسه ، بعدما ذهب إلى مقهى الامفتريون ، وأصر على الجلوس في المكان المفتوح وانهمر المطر وظل يمحو ما يكتبه وهو مصر على الاستمرار ، المطر يمحو وهو يستمر بالكتابة ، والجرسون ينظر له بذهول !
**
الربط بين الكتابة وتوثيقها لأهم لحظات حياتنا ، بل إنها أشبه باستدعاء لحظات منسية ، كمن مر بامتحان في فترة سابقة وكان يشعر أنه في كابوس ، ثم بعد مرور وقت طويل على الموقف يسخر الإنسان من نفسه ويقول " يااه هل حقا انقضى هذا الوقت الصعب ورحل دون عودة ؟! " .