وداعا للماريونيت : داخل ثنايا الآلام تولد المعجزات > مراجعات رواية وداعا للماريونيت : داخل ثنايا الآلام تولد المعجزات > مراجعة حسين قاطرجي

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

مراجعة رواية وداعاً للماريونيت للروائية المصرية نبيلة عبد الجواد

تقدّم الكاتبة رؤية فنيّة عن مشاعر العبث واللاجدوى، عن انعدام التوافق بين الفرد من ناحية والعالم من ناحيةٍ ثانية، والخلل في العلاقات بين الإنسان ومحيطه، دون أن تحدد ترياقاً ناجعاً يحصر ذاك الخلل ليحلّ مكانه التناغم والاتساق.

تبني الكاتبة نبيلة عبد الجواد ثيمة عملها الأساس على حالة الفقد وحاجة الإنسان لحياةٍ إجتماعية صاخبة ولو في الحدّ الأدنى،  وتركّز عدستها على الحبّ المبتور الناشئ من طرفٍ واحدٍ لايكيل للآخر اهتماماً، وكلّه من خلال حياة الساردين من شخصيات الرواية الذين تركت لهم الكاتبة حريّة التعبير عن أنفسهم ومواجعهم ضمن مساحاتٍ تشكّل فصول الرواية.

وقد قرأت هذا العمل الأدبي في سويعاتٍ قليلة أعانتني عليها بساطة السرد وحِرفيّته المهيمنة على جوّ النص بشكلٍ عام، وسجلت حولها النقاط الآتية:

في الرواية: تلتقي شمس الإسكندرانية بالطبيب طاهر في مطعمٍ فرنسي، وتنشأ بينهما علاقةٌ موتورة تُأجّجها عصبية طاهر وتهوّره   في التعامل الفظّ معها، وهنا تضعنا الكاتبة في مفارقةٍ فنيةٍ ذكية، فالطبيب طاهر ينشد الوحدة والبعد عن الآخرين في حين أنّ شمس ترى راحتها النفسية الكاملة في مخالطة الناس؛ فتتعامل الشخصيتان مع بعضهما ومحيطهما كلّاً بحسب نظريته ومبدأه، وسنكتشف لاحقاً أنّهما لايجنيان من ذلك إلا خيبات الأمل.

تقتحم المصوّرة ليان آل تركي حياة طاهر الدميري ويتزوجان بعد حبٍّ عاصف ليلة رأس السنة. وفي خطٍ دراميٍّ موازٍ يظهر ماثيو القادم من أمريكا على مسرح الأحداث تتبعه عشيقته مارلي التي تعاني من فرط خيانته لها فتقرر قتله بمعونة صديقها جوزيف، لكنّ تصاعد الأحداث يفجّر مفاجآتٍ تقلب الموازين وتربط الشخصيات ببعضها ضمن مسارٍ غير متوقع.

تركّز الكاتبة على ماضي الشخصيات وطفولتهم وانعكاس ذلك على مصيرهم (يُتم شمس، تنمّر أصدقاء ليان على بدانتها، علاقة ماثيو الشاذة مع أبيه...إلخ)، وتؤكّد على أنّ انعتاق الإنسان من تحكّم الآخرين به (كدمية الماريونيت) إنما يولد من رحم المعاناة المستمرة التي تُنضِج شخصياتهم وتصنع مواقفهم الثابتة.

في نسيج العمل واللغة:  لا تستخدم الكاتبة جدولاً زمنياً للأحداث، بل تجعلها كقطع (بازل) كثيرة الألغاز والرموز، حيث يكمن حلّها في تتبّع الأحداث ووضع كل موقفٍ ضمن مساره الزمني لتكتمل عندئذٍ الصورة عند القارئ وتتّضح أبعاد الوقائع الجارية بصورةٍ منطقيّة. كما تتعامل الكاتبة في روايتها "وداعاً للماريونيت" مع الماضي والحاضر في آنٍ واحد، وتستشرف المستقبل القريب ضمن إطارٍ زمنيٍّ متقارب متّصل، فلا تجعل من التاريخ جثةً هامدة ولا زمناً مفقوداً بل هو مُسببٌ لأحداثٍ حاضرة ضمن دائرةٍ مغلقة متكررة؛ وسيكتشف القارئ براعة الكاتبة في رسم دائرة التاريخ في فصل الرواية الأخير.

لا تتكلّف الكاتبة في اللغة، بل تقدّم عملها بلغةٍ مطواعة سلسة، ولاتسرف في استخدام العامية إلا فيما يخدم النص ويقرّبه من الواقع. (أستثني إيراد كلمة "وُشُوش" مرتين خلال الرواية للتعبير عن الوجوه وذلك ضمن سياقٍ فصيح؛ حيث لم تكن هذه المفردة العاميّة ملائمةً له!).

يؤخذ على الكاتبة وضع مصادفتين خلال الرواية، الأولى مُلاحظة الطبيب طاهر للمريضة ليان جالسةً على مقعدٍ في الشارع بُعيد هربها من المشفى. والثانية : مُلاحظة النادلة شمس للطبيب طاهر في الشارع بُعيد ضربه من شخصين لاذا بالفرار فقامت بإسعافه. أرى أنّ هذه المصادفات تُبعد العمل عن الواقع كونها حدثت في مدينة واسعة مثل باريس.

في المجمل العمل جميل وتستحق الكاتبة الثناء عليه، ويمكن عدّ هذه الرواية حافزاً لكلّ مسلوب الإرادة ليضع حدّاً لخوفه وينعتق منه.. ذلك الخوف الذي حذّرت الكاتبة قرّاءها منه في فاتحة الرواية، ليحرّر كل أسيرٍ للماضي قيوده ويصرخ ملئ صوته: وداعاً للماريونيت.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق