لا أحد ينجو من آنا فونتينا > مراجعات رواية لا أحد ينجو من آنا فونتينا > مراجعة Dina A. Ali

لا أحد ينجو من آنا فونتينا - إيمان جبل
تحميل الكتاب

لا أحد ينجو من آنا فونتينا

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هذه هي المجموعة القصصية الأبهر والأمتع والأكثر حرفية بين كل ما قرأته هذا العام.

هنا نحن بصدد أبطال متفوقين في الوعي الذاتي الخاص، ولكن لكل منهم تجربته الحكائية المختلفة جملة وتفصيلا.

بداية، برعت المؤلفة في الإمساك بخيط التجربة السردية بحيث لا تطغى تفاصيل أبطالها على الصورة العامة للشخصية في كل قصة؛ فتجدها كلاعب الماريونيت البارع الذي يحترف الإمساك بخيوط عالمه وكل هذا يجعلني أتوقف لأحكي تجربتي مع قلم إيمان....

فهل تكتب إيمان مثلنا بالقلم أم بريشة رسام فريدة محكمة الصنع مخصصة للتجريب الخالص...

تجريب الحكي، وتجريب السرد، وتجريب القفز في حيز المكان والزمان.

والأهم من كل ذلك تجريب اللغة...

وهنا أريد أن أتوقف كثيرا، فاللغة كانت تغير جلدها وتراوغ في كل قصة بشكل غريب ومبهر معا..

فاللغة على لسان رحمة ليست كلغة حبيبها مدرس الكتابة الإبداعية حتى وإن كان أحدهما منحدر من الآخر، ولغة منار المذبوحة تختلف عن لغة عصام عبدالفتاح الأبية الشامخة حتى في انكسارها.

ولغة زينب التي لاتنتصر سوى لنفسها في مبارزة أمام لغة صابر الشفيفة المحلقة ...

تلك المبارزات اللغوية التي تفردت بها هذه المجموعة الشهية جعلتني كمن يقع بوعي وبدون وعي تحت تأثير دمى الماتريوشكا الروسية والتي تتضمن من المفاجآت والخفايا والأسرار ما يجعلها تجربة شهية مغوية بكل تفصيل وبكل حدث، وسأعرض بالتفصيل تجربتي مع كل قصة:

١- حريق مكعب التلج :

وهنا نحن أمام لقاء فريد من نوعه بين رحمة وبطلها "الحزين" كما تسميه، بعد فراق دام أكثر من عشر سنوات وها هو الآن يعود ليتحصل عليها، فما كان منها إلا أن منحته وداعا خالدا يكسر الروح.

وقعت تحت سحر رحمة التي تحمل صفات الخالق _كما يشبهها حبيبها "الحزين"_في الإمساك بالمقادير والهدوء الرزين والحكمة المطلقة والذي يتجسد في براعتها في جرش الثلج على مهل في لحظات تحتد فيها الجمل الحوارية تماما كالكميائي البارع الذي يضيف أو ينقص من مواده الكيميائية لتخفيف وطأة تركيز مركب بعينه ....

في هذه القصة برعت إيمان في تفكيك شفرة الانتقام الإلهي المحسوب والذي تجلى في ميكانيكية الوداع المؤلم التي حاكتها الكاتبة بنعومة قاتلة كما فعلت رحمة تماما...

أعجبت بشدة برمزية مشهد جرش الثلج، وإسقاط حركات رحمة وكلماتها على عملية الفراق نفسها خطوة خطوة.

٢-مصطفى سعيد يبعث من جديد

أنت هنا أمام عجز الرجال المدهش حد الصمت المقدس، رجال فضلوا أن تظل صورهم مشوشة بأذهان ذويهم بإرادتهم خاصة بعد أن حاول مرارا أن يفكك إحكام زوجته لف خيوط العالم حول عنقه قبل أن تخرج بلا رجعة ليقع في شراك معاناته مع فاطمة الابنة المتمردة والضحية في آن واحد والتي تسعى للحصول على أمومة جديدة وهرب جديد وتترفع عن تعبيرها عن تعطشها للجو الأسري ولاستعادة صورة أمها، ولكنها تنسج جدارية مع الطبيعة الأم التي ترفعها لمكانة الإله الذي سيمنحها بذور الأمومة والبنوة في نفس الوقت.

وذهبت جميع محاولاتها سدى ولم تفلح في الظفر بدودة حتى تحررها من مخاوفها....

لتعود فاطمتنا لتخفيف خيبتها عن طريق الولوج للعالم السحري للكتابة عن طريق استحضار صورة البطل الأيقوني مصطفى سعيد في كتاباتها بدفترها السري والذي نجحت صورته العاتية رغم غيابها المادي في كشف ضآلة إشعاع الكره المزيف المضمر ناحية الأب المحطم ...

وهذا هو حالنا جميعا مع الكتابة ، فالكاتب يتعرى تماما في حضرة دفاتره ويحقن بمصل الحقيقة في حضرتها فيصل مفعوله للقاريء فوريا شفافا صادقا كصدق المشاعر المخبأة.

أعجبني كيف تمكنت الكاتبة من تحويل الوضع الكارثي لمأساة فيضان السودان لبقعة مباركة لتنوير قلب أب وابنته.

٣- لا أحد ينجو من آنا فونتينا

الصديق تامر في زيارة ل

( عصام عبدالفتاح/ الدون كورليوني) في مصحة إعادة تأهيل نفسي ليجلس الدون ينفث الدخان الذي يتصاعد ليضيع في العدم كصاحبه وكأنه بمثابة ترياق الحقيقة وصوتها الدامغ فينطلق عصام كورليوني كما أسميه أنا في خطبة عصماء تفضح صرخات رجولة انتهكها القهر،موجهة لجمهوره الوحيد "تامر" ليذيلها بمقولته الرائعة:

*أنا ابن الأصل، وأنتم جميعا أولاد وسخة *

حتى تخترق المشهد رفيقته في المصحة والحياة والقهر منار أو جميلة بوحيرد كما يسميها رفقاؤها ، منار ذات الوشم السهمي الدقيق، البطلة المغتصبة بالتناوب في ذكرى يوم ١١ فبراير(تنحي مبارك ) !!!!

هنا استوقفني اختيار الاغنية المدهشة نعيش لمصر نموت لمصر لأغنية أخرى عظمى وهي رفعنا العلم ورفعنا وربك نصرنا؟

فهل ربك نصرنا حقا؟ وإن كنا كللنا بالنصر فكيف للاغتصاب أن يكون في يوم الشهامة والكرامة؟

ولم يكون رفعة العلم سقوطا لحامليه؟

ما هذا العبث؟ هل حقا نحن نعيش لمصر ونموت لمصر؟ أم أن انفاسنا يطبق عليها ولا تتوقف لتلتقط زفراتها من باب المجاملة حتى في يوم العزة!!!!

و الذي أصبحت خيام الحرية والكرامة فيه دونما عن بقية أيام الله مرايا لخروج الشياطين وأضحت ذكرى الشرف المكتسب محض ذكريات تفند التكريس لهتك الأعراض!!!

ولزيادة الطين بلة يكلل القدر الأخرق بطلتنا بهدية فقدان بذرة بطنها الحرام، والتي نخرت الحسرة قلبها جراء حرمانها من رؤية وليدها الذي أخذ رغما عنها وألقي أمام أحد دور الأيتام في طقس شاعري يتناسب مع سوداوية حظها.

وهنا بالذات تأخذنا الكاتبة البارعة لمشهد بكائي عظيم يصور أقصى مراحل الجنون والقهر.

انفصال البطل اللا مبالي عن الواقع وتركيزه لعصارة القهر والأحلام المبتورة والأنفس الشرقانة للفرح في تحسره الجميل على الوليد المفقود، حتى لو كان من مصدر محرم أو نجس. ليجرد من أدنى حقوقه في الحياة وهو الحصول على طفل ابن للثورة وأد ويا للأسف مع حلم الثورة التحرري الوليد ..

أنا معجبة جدا برمزية الكاتبة، تجسيد الثورة بالعجوز، وجنين الثورة بالابن الضائع الذي لن يعرف أبدا مصيره، أو نسبه!!!

٤- حلاوة زينب

زينب ذات الكوابيس النهمة التي تقض مضجعها تعيش مع صابر الرجل مبتور الروح الذي كسرته الحرب وغرق في بحور الصمت، تحاول أن تنخرط في صنع حلاوة النتف لتتحايل على خيباتها ليأتي الحزن في كل مرة لنتف ما تبقى من أمل....

تحاول زينب إصلاح ما يمكن إصلاحه وفقا لبدائية عقليتها أن تلجأ إلى رقية الطفولة، وبعض آيات من الذكر الحكيم وكأن تلك الحلول هي بمثابة انقشاع المشاكل وعموم السلام في الأرواح الخربة...

تحاول المرأة مرارا أن تأخذ حقها من الحياة بيديها حتى إنها تهجم على الزوج الواهن بتلوعات غليظة لا تفهم لغة أوجاعه، في تجسيد لإشكاليتها وحدها وتوحيدها لمعنى الحياة الوحيد في عينيها باختلاط الحطام البشري بالماء الذي ينتج مخلوقا جهنميا ولو بالوهم، ولو بمجرد كلمات حارقة تسمم بها بدن صابر وتُمَنيه بالحياة في الوقت نفسه كما تتخيل.

كأختها التي لم تتوقف عن الإنجاب منذ أن تزوجت وحتى في محاولة عاجزة لتخفيف حمله في ذكاء فطري للمرأة حتى لو كانت بسيطة التفكير، ليخرج عن صمته أخيرا ليعود إلى الصمت الأخير المفضي إلى الموت.

وهكذا يعود الرجل متقوقعا داخل عزلته ليبتعد عن دور بطولة أخذه رغما عنه في البيت وفي الحرب والتي عجز حتى عن صد مضاجعة احتلالها لأرضه ليعيش بلا شرف لذكرى محارب أضحى يعيش مع أشباح زملائه حسين وعوض، مع جثة زينب الحبلى باليأس، زينب العائشة على لذوعة الليمون وحلاوة السكر !

أعجبتني النهاية المنطقية المؤلمة للقصة.

للريفيو بقية، يتبع...

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
4 تعليقات