السراب > مراجعات رواية السراب > مراجعة Mohamed Khaled Sharif

السراب - نجيب محفوظ
تحميل الكتاب

السراب

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

ملحوظة قبل البداية:

هذه المراجعة قد تحتوي على حرق، سأحاول أن أبتعد عن أهم الأحداث، ولكن هناك تفاصيل أعتقد أنها ستكون بمثابة الحرق أو ما شابه، فإذا كنت مما لا يتأثرون بالحرق، أو قرأت الرواية، فهذه المراجعة لن تُضايقك بشكلاً ما، على ما أعتقد.

ملحوظة أخرى ما قبل البداية:

هذه المراجعة شخصية، تُعبر عن ذائقتي فقط، لا أكثر ولا أقل، قد نتفق وقد نختلف، سيان بالنسبة لي.

قُبيل شروعي في قراءة رواية "السراب" بيوم، كُنت قد كتبت خاطرة تُعبر عني بشكلاًَ ما، على موقع الفيسبوك، فقط عندما فكرت قليلاً أنني سأقرأ رواية "السراب" حيث جاء ترتيبها الزمني الذي اتبعه في قراءة أعمال نجيب محفوظ، تنص الخاطرة:

"أُجيد صناعة السراب. طوال حياتي، أبحث عن شيئاً لا أعرف كُنهه، إحساساً ما، شخصاً ما، أو حتى فكرة ما، أُشكل بخيالي السراب، وعندما أكتشف أنه مُجرد سراب، أتفاجئ! وكأنني لست بصانعه، أبحث في جميع الأمكنة، بلا كلل أو ملل، وأتوقف فجأة، وكأنني لم أكن مُنهمكاً منذ دقائق، فأشعر بالسكينة للحظات، وما أن أشعر أن حياتي مرت بسرعة شديدة، دون أن أفوز ولو مرة واحدة، بأي شيء، حتى لو كان معنوياً، أسارع بصناعة سراب جديد، أنهمك في تفاصيله الدقيقة، وتشييده، وبمُجرد ما أمد يدي، لألمسه، أجد نفسي في الفراغ واقفاً، خال الوفاض من كُل شيء، حتى من نفسي. إذ يبدو لي، أنني بالغت في صناعة سراباتي، حتى أصبحت مثلهم، سراب، يُمكنك أن تتخيله، ولكنك أبداً، لن تجده أو تحصل عليه."

لم أكن أعلم أن ذلك الإقتباس يُمكن أن يُعبر عن "كامل رؤبة لاظ"، مع الاختلاف الشاسع في الكلمات والألفاظ والتعبير، فمن أنا لأقول أن كلماتي قريبة من كلمات نجيب محفوظ، فلا تلعني في قبرك يا عمنا، أنا فقط كنت أحاول أن أعبر عن نفسي بكلماتي الهينة. ويكفي مُقدمات ولندخل في صُلب الموضوع.

"وما أنا إلا مخلوق خائف لولا قيد الجسد لفرت روحه ذُعراً."

تبدأ أحداث رواية "السراب" لنجيب محفوظ، مع الطفل "كامل رؤبة لاظ" ووالدته "إقبال"، التي حُرمت من الحُب، وتزوجت سكيراً، لا يتورع ضربها، أب قاس، لا يجد رادع، وتوباته دائماً ما يتوب عنها، حتى أنه حرمها من أطفالها، ولكن، ترك لها كامل، فربته تحت أعينها، تغار عليه، وتخاف عليه من أهون الأشياء، تحت نظر جده، الذي يُحاول أن يكسر تلك القبضة الحديدية على حفيده، ولكنه، سرعان ما يتراجع حُباً في ابنته، فيتربى كامل وينشأ في جو مُمتلئ بالتدليل، حتى تعدى عشرينيات عُمره ولا يزال ينام في حضن والدته! تحصل على البكالوريا بشق الأنفس وبمساعدات جده العديدة، ولم يفلح في الكلية، لأنه مصاب بداء خطير، داء تسببت فيه طفولته المُدللة، داء الخوف، والقلق، والجُبن. ومن سيستطيع أن يُعبر عن ما يدور في فكر "كامل" كـ"نجيب محفوظ"؟ وصف دقيق ومُشبع لكل فكرة تمر على بال كامل، العرق تستطيع أن تشعر به، حرارة المواقف المُحرجة، الخوف الشديد الذي يكاد يجعلك تغضب من كامل ويستفزك إلى حد أنك لن تصدق أن هناك شخصاً بهذا الحياء والخوف، ولكنهم، موجودن، خائفون، يرتجفون من أبسط الأشياء، وأقل العبارات، ويُكبروا من حجم أقل المواقف شأناً، ويركبهم جحيم مستعر إذا شعروا أنهم تحت أنظار الأخرين، أليست كُل تلك الأعراض شبيهة لأعراض الوحدة؟ أعراض البشر الذين يهابون البشر، يبغضون التجمعات البشرية، وفي أي مكان يشعروا بأعين تترصد حركاتهم، وأن أقل الكلمات قد تثقب قلوبهم، وتحرق روحهم.

"إن حُب الوحدة داء، إنه أشبه بالمخدر تود منه فراراً ولا تستطيع عنه فكاكاً، وتبغضه لنفسك وأنت تُعاني الحنين إليه."

تتغير حياة "كامل" بعد أن يُقرر الزواج، ظل يراقب محبوبته لسنوات، يخاف أن يُصارحها بكلمة، وينظر إليها وإذا وجدها تُبادله النظر يرتبك ويقلق وتزوغ عيناه، يا لك من بائس يا كامل، يا لك من مسكين، يقتله الخوف كُل يوم، تنهشه نيرانه من داخله بلا رحمة وبلا توقف.

فنفهم الحقيقة وراء جُبن "كامل"، فهو من تربى في ظل أمه، التي ظلت تخاف عليه، ولا تُريد حتى أن تزوجه وتنهر من يُفاتحها في هذا الموضوع! حتى فاتحها هو، فانقهرت ووضعت قناع الرضا خارجاً، ولكن بداخلها لم ترضى أبداً، فهي تشعر أن "كامل" هو تعويضها عن كل خيبات حياتها، كيف يتركها ويذهب لأمرأة أخرى، ورغم أننا نتكلم عن علاقة ابن بأمه، ولكن الإقناع في الحكاية، كان مسئولية تقع على عاتق النجيب، ولم يخذلنا، فكانت التبريرات مُقنعة وواضحة، من كلا الطرفين.

وتدخل "رباب محمد جبر" حياة كامل كزوجته، ليُفاجئ بمعضلة أكبر لمآسأة حياته، مُعضلة تُصيب الرجل في مقتل، ولا يعرف لها حلاً إلا البكاء.

"أليس من الهزء بنا أن نُخلق لحياة ثم يُحال بيننا وبينها؟"

ككاتب كيف تصف رجلاً يُصاب بضعف جنسي أمام زوجته فقط؟ رجلاً كان يُداوم على العادة السرية بشراهة مراهق؟ دون أن تذكر أي عضو جسدي، أو ألفاظ ثقيلة مُهيبة على السمع، لأننا نتحدث عن زمن راق، فكان البديل هو كلمات نجيب محفوظ وتعبيراته وأوصافه، لو اعطيت هذه الحالة لخمسة كتاب، ستة منهم سيقولون عضو ذكري وإنتصاب، على الأقل، ولكننا مع كاتب إستثنائي، يعلم كيف يستخدم أدواته بذكاء وبحرص، فما كان منه إلا أن يصف الحالة بدقة شديدة ووضوح كأنك تراه، ولكن دون أن يذكر أي لفظ غريب على رهافة المشاعر هنا، فكامل يُحب زوجته، حد التقديس، حد الأمومة، فلا يستطيع تدنيس ذلك الرابط، يُصيبه العجز، بسبب تاريخه السابق، يجد نفسه مُنجذباً لنوع مُعين من النساء، نوع لا يقرب من أمه أبداً، فكيف تُحل هذه المُعضلة؟ فيا أصدقائي الأعزاء هذا رجلاً دمره تدليل والدته له وطريقة تربيتها، وفي نفس الوقت هي ضحية زوجها، وزوجها ضحية أخرى، قد تختلف النسب، ولكن ألسنا جميعاً ضحايا بشكلاً ما؟

"ولكن الإنسان موكل دائماً بالتفكير فيما ينقصه، حتى لينسى ما بين يديه بما هو بعيد عن يديه."

في هذه الرواية، جمع نجيب محفوظ كُل مخاوف الرجل، أن لا يكون رجلاً، أن يفشل في حياته، أن يكون جباناً كهر، أن يُخان، وأن يخون، والأخيرة رُبما لا يعرفها العديد، ولكن الرجال تخاف أن تخون، لسهولة الوقوع في الفعل، وهنا أنا لا أبرر ذلك بكل تأكيد، هو فعل خسيس ودنيء بلا شك، ولكن، الرجال، الرجال بحق تخاف منه، وتجاهد في سبيل إلا تقع فيه، وليُكمل نجيب المخاوف، فقد جمع الموت فيها، والموت المرير، الموت الذي لا تستطيع أن تُعاتب فيه، ولا تستطيع أن تلوم، كُل تلك المخاوف مر بها "كامل رؤبة لاظ"، وعلى مدار ما قرأت طوال حياتي، لم أجد حياة مريرة مليئة بالبؤس كحياة "كامل"، وكأن كمال اسمه، دلالة على كمال البؤس والحزن في حياته.

في الختام،

أظن أنني قد أطلت كثيراً، تحدثت وتحدثت وتحدثت، ولكن رواية كهذه إن لم أتحدث عنها، فمتى سأتحدث؟ رواية مليئة بالألم الخاص، الشقاء البشري الذي طالما كتب عنه "نجيب" من قبل، الفلسفة السودواية من الحياة وطائلتها، هل حقاً يُجدي أن تعيش هذه الحياة؟ ما الفائدة؟ ما الطائل من كُل هذا البؤس؟ وهل نستحق أن نمر بكل ذلك؟

جميعها أسئلة ستمر على وجدانك آثناء قراءة هذه التحفة الفنية، الذي لم أقرأ مثلها من قبل، هذه روايتي المُفضلة على الإطلاق، وبكل تأكيد لن أكتفي أن أقرأها مرة واحدة، سأظل أقرأها على مدار حياتي، لأتذكر جيداً، أن تلك الرواية كُتبت، لكي أرى الدنيا على حقيقتها.

بكل تأكيد يُنصح بها.

ملحوظة أخيرة: لا تقرب الفيلم المُقتبس بأي شكل من فضلك، فيلم سيء، ولا يحمل سودواية الرواية، بل أنه في بعض الأحيان كان مُضحكاً، إذا كان من "نور الشريف" أو حتى "ماجدة"، وحسبي الله ونعم الوكيل.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق