جيد بما يكفي > مراجعات رواية جيد بما يكفي > مراجعة Khaled Abdelgaber Mohamed

جيد بما يكفي - حاتم حافظ
تحميل الكتاب

جيد بما يكفي

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

جيد بما يكفي..

لم أكن جيدا بما يكفي للاستمرار في الحياة قبل قراءة ما سطره حاتم حافظ في رائعته الجديدة..

يعزف حاتم حافظ على أوتار القلوب فيأسرها بكلماته وعباراته المنمقة ليعطيها إحساس جديد ومبتكر يصنعه بقلمه من خلال ربط المواقف والأحداث فلا يمكنك أن تضع مسمى صريح لما تشعر به هل هو شجن أم حنين.. إحساس بالذنب أم خلق مبررات؟!.. هل هو تعاطف أم حب مطلق؟!..

لم أكن جيدا بما يكفي بسبب تجارب حياتية كثيرة سابقة وخوف من مستقبل أجهله، والكثير من الحسابات والتوقعات حتى جلست استمع إلى ذلك العجوز الذي عاش مئة عام يروي لي تفاصيل حياته، وكيف تبدلت مفاهيمه، فبدأت أدرك أن كل شيء سيمر، والحياة ستمضي..

أقنعني حاتم حافظ بداية من السطور الأولى ومن الصفحة الأولى أنني بالفعل جالس مع كهل تجاوز المئة عام، أحسست بصعوبة نطقه وتشوشه ومحاولاته المستميتة لتذكر مواقف بعينها حتى صعوبة حركته،

أنا أعشق الحواديت التي يرويها كبار السن، وابحث عنهم لأجالسهم يمتلكون من الخبرات الحياتية والنصائح ما لا يمتلكه علماء علم النفس والفلسفة لذا فلقد كانت رحلتي شيقة، وزاد بهاءها جمال السرد ودقة التفاصيل التي برع فيها الكاتب،

لن تتوقف الحياة على موقف أو قصة، لن تتوقف الحياة عند علاقة جيدة كانت أو سيئة، ستمضي الحياة وستتذكر أشياء وستنسى غيرها، وستنسى أنك نسيت، علاقات كثيرة أرقتك في وقتها وظلت تؤرقك لسنوات حتى اكتشفت خطأ تصورك واعتقادك، ثم مضيت بعدها وأكملت طريقك،

أدهشتني علاقته بأبيه، كيف كانت وكيف استمرت وكيف رآها وحللها بعد مضى العمر.. علاقة تجعلك تفكر أنه ليس جيدا بما يكفي أن تحكم على العلاقات في حينها، تجعلك تقرر أن تتدبر أولا وتضع احتمالات كثيرة، عندما تحدث عن أبيه قائلا:

- ❞ كان مؤمنا لكنه لم يكن يصلي إلا قليلًا. أو لم يكن مؤمنًا لكنه كان يصلي في بعض الأوقات. ❝

أراد لنا أن نتأكد أننا لسنا في موضع يؤهلنا للتأكيد على موقف إنسان ما، كل شيء يمكن تأويله لاحتمالات كثيرة،

علاقته بابن خالته وصديقه كانت غريبة ولكنها جميلة في نفس الوقت، أعجبني رسم علاقة ابن خالته بولده، ثم رسم علاقته هو بأبيه.. وضع جميع احتمالات العلاقات الأبوية في قصتين.

دروسا كثيرة جاءت على لسان هذا العجوز الذي عاش كثيرا ليعطينا من خبراته الحياتية:

- ❞ نصف صورة مفقودة تشبه أثرا. تشبه نصف رواية عن تاريخ لا نعرفه مكتملا. ما الذي يمكننا أن نعرفه بنصف صورة. بنصف تاريخ. بنصف رواية. بنصف ذاكرة. ❝

- ❞ الحياة- إن أردتِ- أحجية.. كان من الممكن أن تكون تعزية مناسبة للمرء لو أنه فهمها قبل أن يموت.. لكن لا أظن أن نوحا نفسه فهم الحياة إلا بالقدر الذي فهمها به أي شخص آخر❝

ومن العلاقات التي لا يمكن إهمالها في الرواية، العلاقات النسائية.. علاقته بأمه، وعلاقته بكل النساء في حياته، تم صياغتها بتمكن شديد، كل ما تم صياغته من مواقف أعجبني بشدة وتعلمت منه الكثير..

- ❞ تدخل المرأة علاقة كما لو أنها تتسلل إلى فيلم أو إلى رواية. تنتظر أن تتقدم الأحداث للأمام. لكن العلاقة بالنسبة للرجال أشبه بقطعة موسيقى خفيفة. قطعة لا بد أن تنتهي. يعيش الرجل لأن الحياة يجب أن تمضي فيما تعيش المرأة الحياة كأن شيئًا لا بد أن يحدث فيها. في حالتي لم يكن شيء متوقعًا حدوثه أبدًا. ❝

- ❞ نحن غالبا نشعر بمحبة تجاه الناس الذين يعجبنا منظرهم؛ فالعين ترى أولًا، وبعدها إما أن يحافظ الجسد على سحره، وإما أن يزول سحره بمجرد التعارف. نحن كائنات حسية مهما ادعينا غير ذلك. وأكثر قصص الحب تبدأ بالرغبة في الجنس لكنها تنتهي أيضًا بممارسة الجنس. يظل الحب طالما ظل البشر لديهم الرغبة نفسها في اكتشاف جسد بعضهم البعض لكنهم يفقدون الحب حين تصير أجسادهم خرائط محفوظة. ❝

الحقيقة أن القراءة لحاتم حافظ ليست للمتعة وفقط.. أنا أقرأ له كي أتعلم منه، اقرأ له وبجواري ورقة وقلم أكتب ملاحظات تفيدني في الحياة وليست مجرد اقتباسات من رواية أستعيدها للتلذذ بالقراءة المجردة.. ومن أهم ما دونت:

- ❞ اكتشفت أن قول العبارات بطريقة صحيحة ليس ضمانًا لأن تُفهم بطريقة صحيحة. كنا محكومين كلنا بسوء الفهم. ❝

- ❞ أحيانًا أشعر كأن الحياة هي محض صدفة. محض صدفة يلتقي بسببها شخصان. وبسبب صدفة أخرى ينجبان ابنًا فيمضي حياته في سلسلة مصادفات لا تنتهي إلا بنهاية عمره. تاريخ من المصادفات. ضربة كرة على منضدة بلياردو. رمية زهر.سحب ورقة من بين ورق اللعب. تصويب عن بعد على عصفور فوق شجرة ❝

- ❞ الحب اللغز الأكبر الذي اخترعه البشر ليفسر لهم كل المشاعر غير القابلة للتفسير. وحين نحب نحتار في وصف ما نشعر به. المشاعر التي نشعر بها تجاه الآخرين مختلفة لكن اختلافها دقيق للغاية وغير مرئي بالعين ولا بالقلب. والله نحبه لكننا لا نميز الطريقة التي نحبه بها. ❝

- ❞ يقول البعض إن تفكيرك في شخص لفترة طويلة قد يجعله يبدأ في التفكير فيك. إن كان ذلك صحيحًا فإن ما حدث كان يحتاج ليس فقط للتفكير في بعضنا البعض لكن أيضًا لرغبة مشتركة جامحة. رغبة تتسلط على كلينا لنزيل كل حواجز العالم ونبسط كل الجبال التي بيننا. لكني سمعت صوتًا يتردد في عقلي محذرا. أسعدها. لا تجرحها ولا تتسبب لها في أذى. فقط اسقها سعادة تستحقها. كن أنت الأقوى. لأنها رغم خجلها وبراءتها لو أحبت فسوف تكتشف فيها جموحًا لا تتخيله. كن أنت الأقوى وحاول قدر ما تستطيع أن تكون متأخرا عنها بخطوة. أو بخطوات. فلو أنك سبقتها بخطوة أو بخطوات فسوف تتبعك. ولو تبعتك لشردَت عن العالم وخسرت كل شيء. كن أنت الأقوى واستمتع بجموحها ولكن بالقدر الذي يجعلها سالمة. ⁠‫كنت خائفًا. والحب لا يكون ممكنا وأنت خائف. ❝ ‬

- ❞ «البشر طوروا قدرتهم على التعاطف.. وهذا سر بقائهم».

⁠‫ «موت شخص هو موت البشرية كلها». ⁠‫ ‬‬

«يبذل البشر مجهودًا كبيرًا كي لا يموت أحد منهم». ⁠‫ ‬

«يعرفون أن البشر محكومين بالموت لكنهم يصارعونه». ⁠‫ ‬

«موت بشري كما لو أنه موت للبشرية كلها». ⁠‫ ‬

«وحياة بشري كما لو أنها حياة للبشرية ❝

- ❞. لماذا يحتاج شخص بائس عزم على قتل نفسه إلى ترك رسالة؟ ترك رسالة يفسد اليأس. ترك رسالة كالكتابة تعلقا بالمعنى. بالجدوى. إن تكتب معناه أنك ما زلت تتحسس طريقك. إن تكتب معناه أنك تحتفظ بالأمل في قلبك كضوء منارة. ❝

جدير بالذكر ان الرواية بها مجموعة من الدروس لكل المهتمين بالكتابة، دروس حقيقية واعتقد انها مفيدة جدا لتدبرها:

- ❞ اعتدت أن أكتب كتابة مقروءة. تدربت على ذلك وأنا أكتب قصصي الأولى. كنت أقرأ بصوت مرتفع من أجل ذلك. رنين الكلمات وجرسها جوهر الأدب. الكاتب الذي يريد أن يكتب قصة مشوقة فليذهب ليكتب في الإذاعة أو في السينما. أما الكاتب الذي يريد كتابة قصة من أجل القراءة فيجب أن يكتب كأنه يقرأ ❝

- ❞ الكُتَّاب لا يكتبون عن حياتهم. الكتاب يكتبون عمَّا يتخيلونه. عن حياة لم يعيشوها. كتب كاتب ذات مرة إن الكُتاب يكتبون عمَّا لا يعرفونه. يكتبون عما لا يعرفونه ويتحرّقون لمعرفته❝

وأخيرا فإن هذه الرواية جيدة بما يكفي لفهم تيار الوعي، والبدء في تدبره والاستمرار في تعلمه وقراءته.

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
اضف تعليق