صلاة تشرنوبل > مراجعات كتاب صلاة تشرنوبل > مراجعة ضياء الحق عبان

صلاة تشرنوبل - سفيتلانا أليكسييفيتش
أبلغوني عند توفره

صلاة تشرنوبل

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

صلاة تشرنوبل تاريخ مغفل لجيل صامت

استهلت الكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش (1948) الفائزة بجائزة نوبل عام 2015 كتابها صلاة تشرنوبل بوثائق تاريخية تتحدث عن كارثة تشرنوبل التي وقعت عام 1986 في أوكرانيا قريبا من بيلاروسيا 'موطن الكاتبة' ضمن كيان الاتحاد السوفييتي سابقا، وقد حملت الوثائق مدى حجم الدّمار الذي خلفته الكارثة النووية على جميع المستويات، السياسي، البيئي، وخاصة الانساني حيث طالت أكثر من مليوني مواطن، لتتسبب لاحقا في أمراض سرطانية واضطرابات نفسية خطيرة والأكثر من ذلك تغييرات جينية غريبة.

استغرقت الصحفية البيلاروسية وقتا طويلا في كتابة عملها الذي جاء بصيغة المونولوج بعدما التقت فئات عديدة من المجتمع البيلاروسي، الموظفين السابقين في المحطة وتحدثت إليهم، العلماء والأطباء والجنود والنازحين والوافدين، رؤساء الجمعيات وأساتذة وأكاديميين، سكان المزارع والمناطق الحضرية، أهالي الضحايا وكل من غير تشرنوبل حياته وشكل منه تصنيفا لم يسبق له مثيل ; الانسان التشرنوبلي.

• انتحار جماعي، ثمن التظليل الشامل

تتحدث سفيتلانا عن التظليل الذي مارسته السلطة عند حصول الكارثة والذي تلخص في عبارة رئيس بيلاروسيا آنذاك "الأمر تحت السيطرة" يتم الرد عليه من موسكو " يا لهؤلاء الرفاق الرائعين في بيلاروسيا!"، وتمّت التضحية بالرجال الذين عملوا في درء آثار الكارثة، حيث ترد قصة أحدهم على لسان زوجته التي احتارت في الحديث عن الموت أم الحب، عن الذكريات أم الفترة التي قضتها معه في المستشفى وهو يسير على الموت بطريقة فضيعة، عن وفاة ابنتها التي ولدت مشوهة أم عن حياتها التي افتقدت للأهمية بعد كل ذلك.

تطرقت الكاتبة أيضا الى التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطة بحجة عدم اثارة الذعر وسط الناس، ثم تركتهم يتشبّعون بكميات هائلة من الاشعاعات التي غزت كل شيء وغلفت كل مكان، فأكل الناس مواد مشعة وحرثوا أرضا مشعة ولعب الأطفال في أماكن مشعة، ليصبحوا فيما بعد قنابل بشرية تعدي كل ما يلمسها لتكون نهاية الجميع على يد أمراض تطيل عذابهم قبل أن تتوفاهم.

• موت لطيف، لدرجة أنه لا يرى!

عادة ما يكون وقع كلمة كارثة على الآذان داميا، بفعل الطبيعة أو السلاح، ويخلف خسائر بشرية ومادية على الفور، لكنّ الأمر كان مختلف بالنسبة لتشرنوبل لقد كانت كارثة صامتة لم تخلف جثثا تسبح في دمائها ولا منازل محطمة على رؤوس ساكنيها، خلّفت ما هو أخطر من ذلك، الاشعاعات التي ظهر انبعاثها الأول فوق فوهة المفاعل كمشهد سينمائي ساحر، شاهده الأطفال من الشرفات وقطع الكثيرون المسافات للاستمتاع بجماله.

وعندما عرف الناس بشأن انفجار المفاعل أراد الكثيرون الذهاب الى تشرنوبل أو بالأحرى الموت هناك في رحلة ثمنها البحث عن المعنى، عن دور بطولي يجعل كل واحد منهم ذو أهمية في العالم الذي آمنوا به، الانتماء الحزبي وإلى الشيوعية.

لذلك لم تكن السلطة الملوم الوحيد عندما نزل الناس للاحتفال بعيد العمال كأن شيئا لم يحدث، لما أصرّ الكثيرون على الخدمة في التشرنوبل والتضحية بأنفسهم وبذاكرة أحبائهم وأهاليهم الذين فرض عليهم الصمت خلال السنوات الأولى ليصبحوا صناديق سوداء تحمل التاريخ المغفل "كما تسميه الكاتبة" إلى المستقبل الذي تغير بسرعة باختفاء الاتحاد السوفييتي. عندها تغيرت نظرت الذين اعتبروا الموت في سبيل البطولة وأدركوا أنها عبارات جوفاء تغذت عليها السلطة حتى اختنقت، وتلاشت معها كل الحملات الدعائية التي جعلتها تبدو مثالية في أعين الملايين.

اليوم تمر على تشرنوبل ثلاث وثلاثون سنة وقد كانت أحد أكبر كوارث القرن العشرين، رغم أنها لا تعني للملايين حول العالم سوى انفجار نووي حدث وانتهى، وهذا ما سعت الكاتبة لتوضيحه، بأنه أكبر من ذلك بكثير وفي هذا السياق تقول: "المصير هو حياة إنسان واحد. أمّا التاريخ، فهو حياتنا جميعاً، وأنا أريد أن أروي التاريخ بشكل لا يضيع فيه عن بصري، مصير إنسان واحد".

ضياء الحق عبان 14/11/2020

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق