بمخيلة جامحة، يدخلك ماركيز إلى متاهته الهذيانية المسماة "ماكوندو".
"سادت لزمن طويل فكرة أن ماكوندو هي شبه جزيرة، بوحي من الخريطة الاعتباطية التي رسمها خوسيه أركاديو بوينديا، حين رجع من حملته. لقد رسم خطوطها بسخط، مبالغًا في مصاعب الاتصال عن عمد أو بسوء نية، كما لو أنه يريد معاقبة نفسه لانعدام التبصر الذي اختار به موقع القرية."
إلى حدود لا تصدق، يعصر ماركيز مخيلته ليُحدِث القارئ عن ذلك الكابوس الخرافي الذي عايشه آل بوينديا، جيلًا بعد جيل، في ليالي الأرق والقلق على امتداد مئة عام من المصادفات، منذ تأسيس ماكوندو إلى انقراض السلالة.
يختبر الكاتب قدرة القارئ على الاندهاش، ويبقيه في تذبذب مستمر بين الشك واليقين إلى حد لا يعود معه قادرًا على معرفة أين هي حدود الواقع في الرواية، بسبب الاختلاط العجيب والعشوائي والمتشابك بين الحقيقة والسراب.
الرواية أعجوبة، لكنها لم تنل النجمة الخامسة في التقييم بسبب بعض المقاطع المملة. لا أفهم حضور مثل هذه المقاطع في الروائع، وأي تبرير لها لا يقنعني؛ فالأسطر المضجرة تظل مضجرة، ولو كانت في عمل عبقري كهذا.
"من المؤكد أن ما رأيتموه كان حلمًا، ففي ماكوندو لم يحدث ولا يحدث شيء، ولن يحدث أي شيء أبدًا. إنها قرية سعيدة."