عن كتاب "على الجسر بين الحياة والموت " لـ عائشة عبد الرحمن المعروفة بـ "بنت الشاطئ"
كتاب على الجسر بين الحياة والموت، سيرة ذاتية للدكتورة والعالمة المصرية عائشة عبدالرحمن المشهورة بـ "بنت الشاطئ" تُسطّر لنا فيه صفحات من حياتِها وقصة كفاحها من أجل المعرفة، وتصف لنا حالَ المجتمع المصري آنذاك وقوة التعليم في المعاهد الدينية، وهي التي حفظت القرآن الكريم، وكبار المعلقات والقصائد الشعرية والأناشيد الصوفية، في وقت مبكر من حياتِها.
عاشت "بنت الشاطئ" في بداية حياتها في جاهد كبير في الحصول على تعليم "عصري" في المدارس، في ظلّ معارضة والدها معلّلا ذلك بقوله "ليس لبنات المشايخ العلماء أن يَخرُجنَ إلى المدارس الفاسدة المفسِدة" وهذا يُبيّن لنا ضراوة حركة التغريب في تلك الفترة، في أرض الكنانة، لكن وقوف جدّها ووالدتها في صفِّها فتح لها الباب للدخول إلى المدرسة، لتبدأ بعدها مرحلة وكفاح آخر، وإصرار عجيب وجلَد على التعلُّم مثير للإعجاب وخاصة أنها كانت دومًا تُعَد من أوائل الطالبات في نتيجة تلك الامتحانات.
"من اللطائف في سيرة "بنت الشاطئ" ما ذكرتْه أثناء أدائها الامتحان الشفهي لشهادة مدرسة "المُعلِّمات" أن الممتحنين سألوها عما تَحفظ من النصوص الشعرية، فكان جواب بنت الشاطئ: من أيِّ عصر؟!
وعندما عجب الممتحِنون من سؤالها، وطلبوا منها نصًّا من العصر الجاهلي، ألقتْ عليهم أبياتًا من معلَّقة طرفة ومرثية لمهلهل بن ربيعة في أخيه كليب، ثم ما زالوا ينتقِلون من عصر لعصر وبنت الشاطئ تُلقي عليهم من مخزون ذاكِرتها، وعندما طلبوا منها نصًّا من العصر الحديث، فاجأتهم عائشة بقولها: من شعري أم شعر سواي؟! وأسمعتْهم قصيدة لها في الحنين إلى دمياط مطلعها:
دمياطُ حبُّكِ حرَّكتْ أشجانُه
آلامَ قلبٍ في الغرامِ مُصفَّدِ "
ثم بعد ذلك تدخل "بنت الشاطئ" الجامعة وتلتقي بلمهما وأستاذها الذي تأثرت بمنهجه وهو "أمين الخولي" والذي صار فيما بعد زوجا لها، حصلت بنت الشاطئ على الدكتوراه عام 1950 حيث ناقشها عميد الأدبي العربي د. طه حسين.
حصدت "بنت الشاطئ" ثمار هذا الكفاح وهذا التعب فكانت أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ودرّست في عدد من الدول العربية مثل : المغرب والإمارات والسعودية.
لمّا بدأت "عائشة عبد الرحمن" الكتابة في الصحف المصرية، لم يكن مسموحا في بيئتها آنذاك للمرأة أن تكتب في الصحف، لهذا كانت تكتب باسم مستعار، واختارت لقب "بنت الشاطئ " لأنها كانت تسكن في بداية حياتها قرب البحر وتلعب في جانب الشاطئ، ومن هنا جاء لقبها "بنت الشاطئ".
إن سيرة العالمة والدكتورة "عائشة عبد الرحمن" مثال للفتاة المجدّة الملهمة ذاتَ المعالي والمهمتة بمعالي الأمور، التاركة لسفاسفها، وإني لأحب أن تقرأ هذا الكتاب كل فتاة لترى هذا الطموح العالي وهذه النفس الأبية، وهذا الكتاب من أمتع السير الذاتية التي قرأت في حياتي، وأنصح به الجميع.
الكتاب يقع في 163 صفحة، وهو طبعة "هيئة الكتب المصرية".
قراءة ممتعة.