هذا الكتاب هو اللبنة الأولى في مشروع الجابري ، و الذي يهدف إلى بناء رؤية جديدة تتجاوز الرؤية السائدة لتاريخنا و تراثنا و ثقافتنا العربية ، رؤية تتجاوز "الظاهر " لتغوص في عمق "العقل العربي" نفسه لفهم تركيبته و تكوينه و كيف تشكل و أين و متى بالضبط و ما العوامل التي لعبت دورها في تكوينه .
تبدأ "قصتنا" الحقيقية من بداية عصر التدوين ، عصر البناء الثقافي العربي و الذي اعتبره الكاتب الإطار المرجعي للعقل العربي .
هناك تأسست الثقافة العربية الإسلامية حيث تكونت ثلاثة "عقول" عربية إسلامية شكلت ثلاثة نظم معرفية إحتلت مسرح الأحداث :
1 - العقل البياني أو ما أسماه الجابري بـ "المعقول الديني العربي" و قد تأسس من خلال نظام معرفي بياني يعتمد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج في إنتاج المعرفة . و يشمل علوم البيان من نحو و فقه و كلام و بلاغة . أي اللغة و الدين كنصوص .
2 - العقل العرفاني : و أسماه "اللامعقول العقلي " و يشمل علوم العرفان من تصوف و فكر شيعي و فلسفة إسماعيلية و تفسير باطني للقرآن و فلسفة إشراقية و كيمياء و تطبب و فلاحة نجومية و سحر و طلسمات و علم تنجيم .. و تأسس هذا العقل من خلال نظام معرفي يقوم على "الكشف و الوصال" و "التجاذب و التدافع" . و قد إستمد هذا العقل "أدواته" من الموروث القديم و على رأسه الهرمسية .
3 - العقل البرهاني : أو "المعقول العقلي" كما أسماه ، و يؤسسه نظام معرفي يقوم على الملاحظة التجريبية و الإستنتاج العقلي كمنهج ، أي المعرفة العقلية المؤسسة على مقدمات عقلية و يشمل الفلسفة الأرسطية خاصة من منطق و رياضيات و طبيعيات بفروعها المختلفة و إلهيات وحتى الميتافيزيقا عموما .
أهم ملاحظة أشار إليها الجابري في -رأيي - هي دور العامل السياسي الذي كان دوما يرجح كفة "عقل" على "عقل" ، و يقمع "عقلا" ليعلي من شأن "عقل" ، و يقوم بتوظيف "عقل" لمحاربة "عقل". كل ذلك لمصالح سياسية ضيقة .
ما يهمنا على المستوى الإبيستيمولوجي هو أن الجابري أعطانا "توليفة" مقبولة إلى حد بعيد قد تساعدنا على التخلي عن الأسلوب "الإنتقائي" الذي يعتمده بعض الكتاب و الذي جعلنا ندور في مكاننا .
"لعبة " التراث المفتوح ، و التراث المستباح الذي يبيح للجميع أن ينتقي ما يريد دون ضوابط مؤسسة ، يجب أن تتوقف.