نعاس > مراجعات رواية نعاس > مراجعة A-Ile Self-hallucination

نعاس - هاروكي موراكامي, رمزي بن رحومة
أبلغوني عند توفره

نعاس

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

منذ توقفي عن النوم نجحت في توسيع مساحة وعيي.

هكذا يُحدد موركامي جوهر روايته القصيرة تلك “نعاس”. إنّ الإنسان يُمضي ثُلث حياته نائماً، فما الذي سيجري لو أنّ الإنسان توقف عن النوم واستطاع السيطرة على ذلك الثُلث.

بطريقة غرائبية ينطلق هاروكي ليتحدّث عن تلك المسألة التي قد فكّر بها البعض، لكن بالتأكيد لم يتجاوزوا بخيالاتهم أكثر من تفكير عابر. لكن موراكامي يحوّل الفكر إلى حقيقة روائية بواسطة بطلته.

يقلّب هاروكي حياة شخصية الزوجة التقليدية والبسيطة في الحياة، مثلها مثل الجميع، تتحدث عن عائلتها، طريقة معيشتها، زوجها وابنها. إنها امرأة في الحياة تشابه الجميع، تشابهنا في حيواتنا. الفكرة الأساسية تدور حول اعتيادنا للأشياء، والوقوع في فخاخ الروتين الحياتي إلى درجة نصبح فيها عبارة عن آلات لا تفكّر كثيراً سوى بما يجب أن يكون. النوم والروتين يوقفنا عن التأمل العميق في جماليات الحياة، يُوقف حتى شعورنا الهائل بالحب المتجدد. نتحول إلى كائنات لا تهتم كثيراً بعواطفها بقدر ما تهتم بواجباتها.

لكن فجأة تجد بطلة هاروكي نفسها في أحد الأيام غير قادرة على النوم، لقد جافاها. فوجدت نفسها في عالم مختلف. إنها تملك وقتاً هائلاً. كيف يمكن لها أن تبني حياتها بالطريقة الجديدة ؟. ما الذي جرى حقاً ؟.

لكن ذلك السؤال غير مهم لدى هاروكي، فما الذي يهم القارئ عن الأسباب التي أوصلت تلك الزوجة لعدم النوم، فما يشغل بال هاروكي مسألة أكبر، مسألة سيسحب القارئ فيها لنقاش أمور تخص الوجود البشري ولكن من وجهة نظر حالة غير شائعة.

إنه من الطبيعي عندما يُصاب كائن ما بحالة من عدم النوم دون أن يشعر بالوهن والتعب، فإن أول عمل سيفعله هو أن يعالج حالته تلك، لكن الزوجة احتفظت بالسر، لم تشعر بالهذيان مثلما يُفترض بشخص طبيعي أن يشعر، بل ما فعلته هو محاولة استعادة حياتها القديمة، محاولة أن تُسقط روتين الحياة الذي أدخلها في دوامة التقليد المعيشي.

قرأتْ آنا كارنينا، صعدت إلى سيارتها ليلاً، راقبت وجه زوجها بطريقة مختلفة، شربت الكونياك. إنها تملك الوقت والإبداع لتحليل التفاصيل والاستمتاع بأقصى حد لهذا الجمال المحيط بها. رؤيتها اختلفت.

كم يمكن لنا عندما نملك ثلث الحياة الضائع أن نصبح أشخاصاً آخرين ومبدعين بطريقة مميزة ؟. نفكّر بشكل مغاير عن تفكيرنا ونحن مستقرين داخل دوامة الحياة الروتينية ؟.

عندما امتلكت الزوجة ثلث الحياة الضائع، ازدادت تعمقاً في تلك الأسئلة التي لا يفكر بها الإنسان، ربما خوفاً وربما لأن روتين الحياة يشدنا نحو الواجب لا الإبداع. أصبحت تفكر بتلك الأسئلة المتعلقة بالموت والحياة والراحة. إنها ملكة الليل، فالليل لها وحدها. تنطلق بسيارتها تحت الكحل الممتد، تسير في الأماكن الفارغة. إحساسها متضخم جداً. في يوم ما وهي تقف بمنطقة منعزلة، تشعر بطرق على زجاج سيارتها ويظهر لها شرطي يخبرها أنها يجب ألا تقف هنا، لأنه منذ يومين جرت جريمة قتل. الليل مِلكُ السحرة ومِلكُ القتلة، ومِلكُ المؤرقين الحالمين. من لا ينام فهو يملك مشروعاً غامضاً. لا تهمنا أسباب عدم النوم مثلما لا تهم موراكامي، لكن عندما لا تنام فأنت تريد أن تخلق عالمك السحري الخاص، مثل جميع اللانيام في هذا العالم.

تعود الزوجة إلى المنزل تتأمل وجه زوجها بانتفاخ أنفه وعينيه وشفتيه المتراخيتين وهو غارق بسبات لا يشعر معه بشيء. تفكّر : إنه زوج جيد لم يخن يوماً. تذهب إلى غرفة ابنها، تتأمله، إنه يشبه والده وجدته، يملك الكبرياء ذاتهما.

لقد انقلبت حياة الزوجة رأساً على عقب، أصبحت أكثر عمقاً وجمالاً بتفكيرها، لكن فعلياً هل يمكن لها أن تستمر بتلك الحياة الروتينية مثل الجميع وهي التي امتلكت شيئاً خاصاً وفريداً “ثلث الحياة الضائع”. الزوج لم يخن. والطفل يشبه أباه، هكذا ارتدت الزوجة بنطالاً وربطت شعرها ذيل حصان وهبطت مغادرة في سيارتها عندما ظهر شبحان أمام الزجاج وبدأت السيارة بالاهتزاز، وتذكرت كلام الشرطي، هناك اثنان قد قتلا ضحية قبل أيام.

على هذا النحو تنتهي قصة موراكامي، تاركاً القارئ بحيرة لسؤال ينتابه .. هل كل ما جرى كان كابوساً رأته الزوجة في حلم، أم هو حقيقة يقينية ؟.

وبعيداً عن البحث في الجواب، لأن العمل يحتوي ما هو أكثر من إيجاد الأجوبة، يُحدد موراكامي بطريقة ذكية مسألتين مهمتين. الأولى وهي ما تحدثنا عنه سابقاً وهو الأسئلة التي تُخرج من روتين الحياة والواجب والبحث في عمق الوجود، أما الثانية فهي التقنية الإبداعية التي عمل عليها هاروكي، إنها المشابه والإسقاط الأخلاقي على عمل قديم بل قرن من الآن وهو آنا كارنينا التي كانت تقرأها الزوجة لتولستوي.

إنه مصير آنا كارنينا بطريقة حداثية. لقد شعرت الزوجة بالضجر والرغبة بالرحيل لأنها امتلكت أكثر من الإحساس بالواجب، إنها المتعة والمعرفة والجمال. مثلما رحلت آنا قبل قرن في رواية تولستوي ورمت نفسها على سكة قطار. بذات الشكل من التوديع للزوج والابن، فعلت الزوجة في عمل هاروكي، هو نفس إحساس آنا في لحظة الوداع. وهو المصير نفسه بالموت في اهتزاز السيارة.

لقد بنى موراكامي آنا كارنينا جديدة ولكن بطريقة مختلفة. لدى موراكامي سبب اكتشافي للضجر وهو اللحظة التي تتغير فيها حيواتنا. لكن النتيجة واحدة. البحث عن الحرية بطريقة شخصية لن تُفهم أبداً.

إن نعاس بقصر صفحاتها، وأحداثها الكثيفة هي بمثابة بحث حقيقي عن معنى الحرية الشخصية وكيف تصبح عرضة للموت عندما تكون اختلافية مع الجمع العام.

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق