إن للمعرّي فلسفةً متفرّدةً متجرّدة، صاغها في هذه الرسالة مظهرًا إيّاها في النثر تارة، وفي النظم تارة أخرى، سابحًا في بحور الشعر، معطيًا رأيه في كثير من الشخوص والقضايا والمذاهب.

إنها رحلة ممتعة في خيال الشاعر الفيلسوف، وهو القائل: "ما كان في هذه الدنيا بنو زمن إلا وعندي من أخبارهم طرف"، رحلة تتحوّل إلى محكمة يُحاكَم فيها عدد من الأدباء والمشاهير، حسب ما تقتضيه رؤيته وفلسفته الفريدة.

الديني في هذه الرسالة يجب تنحيته جانبًا، والنظر إليها كرسالة أدبية فلسفية، فكثير من أخبار أهل الفردوس أو الجحيم مختلفٌ عليها حتى بين الفقهاء أنفسهم.

كنت قد قرأت جحيم دانتي، وهو الجزء الأول من الكوميديا الإلهية، واستبعدت حينها ما يُقال عن أن دانتي أخذ فكرة الكوميديا من رسالة الغفران، وذلك بسبب مبالغة العرب الدائمة بفضلهم على الأمم الأخرى في العلم والأدب، وظننت أن هذا القول يندرج تحت تلك المبالغة.

لكن بعد قراءتي المتأخّرة لـرسالة أبي العلاء، أعتقد أنه من المرجّح جدًا أن يكون دانتي قد اطّلع عليها وأخذ منها فكرة الكوميديا.