سيرة مدينة كتاب ممتع وجميل. وهو أحد الكتب التي تنساب صفحاتها بين يدي القارئ دون حساب ليسره وجماله وتنوع قصصه وألوانه.
هو ليس كتاب تاريخ - كما يؤكد مؤلفه - ليؤرّخ أحداث عمّان، فهو كتاب يسرد روح عمّان الأربعينات وشخصياتها وطقسها ومناسباتها وأفراحها وأتراحها. ينسج الكاتب من الشخصيات المنسابة لوحة مترابطة لمدينة طفلة وهي في أول سنين حياتها، فيروي عن المدرسة والتدريس، ويروي عن ألعاب الأطفال، ويختصر عداوة اهل البلد للمستعمر بسرد لقبه على لسانهم؛ "أبو حنيك"، ويؤرّخ فيضان السيل بما رافقه من تعاضد بين أهل البلد، كما يروي أثر الحروب بما رآه الناس، وتاريخ حرب الـ 48 بحوار الجدة مع قريبها في الجيش العراقي. كلّ هذه الروايات وغيرها الكثير هي التي ترسم لوحة عمّان في الأربعينات، وهي ما تجعل المدينة فوق مفاهيم التأريخ بالأحداث أو المباني أو الوصف التاريخي.
عمّان وأهلها من العرقيات المختلفة - عرب من الحجاز ومن الشام ومن القرى ومن فلسطين وأرمن وشركس وبعض الأجانب، الخلفيات الدينيّة والمذاهب والملل، ونكهة من السياسة والحروب التي تغلّف نسيج هذه المجتمعات تجتمع في هذا الكتاب.
في زمن اختلطت فيه الهويات الدينية والعرقية والقومية وغيرها من الهويات التي تصنعنا، وفي زمن تأثرت فيه عمّان بكثير من الصدمات والحروب والنزوح وغيرها (كما كان الحال منذ نشأتها كوجهة نزوح ولجوء دائم)، أجد هذا الكتاب مصدرا لربط روح الهويات ببعضها البعض، ولربط الروح بهذه المدينة الفتيّة.