حمار الحكيم > مراجعات رواية حمار الحكيم > مراجعة Youssef Al-Brawy

حمار الحكيم - توفيق الحكيم
تحميل الكتاب

حمار الحكيم

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

«قال حمار الحكيم "توما": متى ينصف الزمان فأركب، فأنا جاهل بسيط، أما صاحبي فجاهل مُركَّب! ... فقيل له: وما الفرق بين الجاهل البسيط والجاهل المُركَّب؟ ... فقال: الجاهل البسيط هو من يعلم أنه جاهل، أما الجاهل المُركَّب فهو من يجهل أنه جاهل!»

«تخيلته يوم وضع رأسه في كفي... كأنه يفكر... لو أنه كان يفكر مثلنا برأسه... ذلك الجهاز المحدود التفكير... آه، لقد استطاع هذا الفيلسوف الصغير أن يبلغ قمة الصفاء... تلك القمة التي طمع "جوته" في أن يبلغها يومًا... لقد استطاع هذا الصديق الراحل أن يرى الحياة والموت من ثقب واحدة... وأن يرى الكائنات المتحركة والجامدة من عين واحدة، وأن يخترق الكون كله بجسمه الصغير النحيل في يومين ويمضي دون أن يتوهم أنه زعيم خطير أو مفكر بصير... إن هذا الشيء الحقير الذي سميناه جحشًا هو في نظر الحقيقة العليا مخلوق يثير الاحترام... في حين أن كثيرًا ممن سميناهم زعماء وعظماء فركبوه، ولم يبصروا الغرور وهو يركب رؤوسهم، هم في نظر الحقيقة العليا مخلوقات تثير السخرية! ... نعم كنت أشعر دائمًا شعورًا غامضًا أن حبي لهذا الجحش هو حب مقترن بشيء آخر غير العطف والإشفاق... أحمد الله أنه مات قبل أن يكبر فيُركَب... إني كنت أخجل من ذلك ولا ريب... لأني كنت أسمع في كل خطوة من خطواته المتزنة همسات تتصاعد من أعماق نفسه التي في عمق المحيط: أيها الزمان! ... أيها الزمان! ... متى تنصف أيها الزمان فأركب... فأنا جاهل بسيط، أما صاحبي فجاهل مركب !! ...»

رغم أن الرواية أعجبتني إلى حدٍ ما إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى قراءاتي الأخرى لتوفيق الحكيم... لا أقول إنها سيئة بل على العكس هي جيدة جدًا ولكنها كان من الممكن أن تكون أفضل من ذلك خصوصًا لو أن كاتبها شخصٌ بمثل عظمة الحكيم. الموضوع الأساسي للرواية وهو الذي يظهر من العنوان هو "الحمار" ولكن على الرغم من ذلك لم يحتل الحمار سوى بضع صفحات في الرواية ووجوده أو عدمه لم يكن ليخل بالسرد أو حتى بأحداث الرواية، ولكن أعجبتني نظرة الحكيم الفلسفية في هذه الرواية من حيث المقارنة بين المرأة المصرية والأوروبية، ومقارنة المحبين في الريف والمحبين في الحضر عمومًا والغرب خصوصًا، ويتخلل كلامه بعض الحدة والقسوة في الحكم على الريف المصري والذي في رأيي أنه في زمن الحكيم لم يكن بذلك السوء الذي وصفه به الحكيم.

أما عن أسلوب الحكيم في الكتابة فهو رائع تميز بالبساطة في هذه الرواية تحديدًا وامتزاجه بالتشبيهات البليغة أضفى على الرواية جمالًا مميزًا، كما أنني أيضًا أحببت المواقف التي تحدث فيها الحكيم عن نفسه في صيغة بطل الرواية، فبعض أحداث الرواية كانت حقيقية وحدثت في حياة الحكيم كما قرأت عنها، وأحببت المقارنات العديدة التي عقدها الحكيم في الرواية والتي ذكرتها مسبقًا، ورغم ظني أني على وشك قراءة عمل ساخر أو غريب من مقدمة الرواية إلا أنها تحولت لتكون حوارًا فكريًا راقيًا، وقالبًا مميزًا يقدم للقارئ جزءًا من فلسفة الحكيم في صورة بيانية بسيطة وأسلوب عظيم ينأى بالقارئ إلى آفاق أخرى، ورغم تخلل الرواية بعض الأحداث عديمة القيمة إلا أنها لم تخل بالنص كثيرًا، وقد أعجبني وصف الحكيم لبطل القصة وسأرفقه في ذيل المراجعة، والتقييم للرواية: 8 من 10.

«أتريدين أن أبرز لك صورة من نفسي كما أراها؟ ... إني بناء قائم على ماء جار... وصرح مشيد فوق رمال... لا شيء عندي قابل للبقاء أو صالح للاستمرار... إني لا أقدس شيئًا ولا أحترم أحدًا ولا أنظر بعين الجد إلا إلى أمر واحد: الفكر... هذا النور اللامع في قمة هرم ذي أركان أربعة: الجمال والخير والحق والحرية... هذا الهرم هو وحده الشيء الثابت في وجودي... إني كما ترين لست رجل مجتمع... فأنا لست بارع في الحديث ولا حاضر الذهن، ولا ظريف المجلس، ولا أصلح للكلام في الناس، إذا حضرت وليمة فلا ينبغي أن ينتظر مني الحاضرون أكثر مما ينتظرون من طيف يصغي ويلاحظ إذا شاء وقتما يشاء دون أن تسلط عليه أنوار تكشف عن وجوده... لقد اختلف في أمري من قديم كل من عرفني، ومازالوا يختلفون... فأنا عند البعض بسيط ساذج... وعند الآخرين ماهر ماكر... قال لي ذات مرة احد الملاحظين لأمري: "عجبًا لك... إنك تجهل الأشياء التي لا ينبغي أن يجهلها أحد، وتعرف الأشياء التي لا يعرفها أحدًا"

وقالت لي صاحبة نزل أقمت أيامًا: "اسمح لي أن أستوضحك أمرًا أحاول عبثًا أن أستقر على رأي فيك، إنه ليبدو عليك، وأرجو ان تغفر لي هذا التعبير، إنك قليل الفطنة، بسيط التفكير، ولكنك أحيانًا أخرى تبدو فوق مستوى من رأيناهم جميعًا هاهنا إدراكًا وتيقظًا وتفكيرًا، أنت ولا شك لغز من الألغاز"

في كل مكان أسمع من يقول عني ذلك... من أجل هذا فقدت حياتي ذلك الوضوح الذي تقام عليه الحياة الثابتة... ولقد تأثرت لهذا الغموض في تكوين شخصيتي، فجعلت أطيل البحث في ذلك أنا أيضًا... فجنحت إلى التأمل الطويل منذ الصغر... وتقدمت بي الحياة... فكنت في كل طور من أطوارها أستوثق من أن الطبيعة قد ترددت هي الأخرى في امر تسليحي بهبات واضحة قاطعة... لقد كان شأني دائمًا شأن "جحش" عثرنا عليه ثم أطلقنا عليه اسم "الفيلسوف" خرج إلى الحياة منذ يومين فانصرف عن زجاجة اللبن إلى مرآة الخزائن يتأمل نفسه!

أنا كذلك انصرفت منذ عهود الصبا عن مباهج الحياة التي تغري الشبان والفتيان إلى تلك المرآة التي أرى فيها نفسي... على أنه تأمل... هو أبعد ما يكون عن تأمل "نرسيس" لنفسه في مياه الغدران... لم يكن تأمل الزهو والافتتان... بل تأمل الباحث الحيران... إني من شد الناس تنقيبًا في أنحاء نفسي... لأني أعتقد أن الطبيعة لم تسخُ عليّ... فلم تمنحني لمعانًا ولا بريقًا... إني جسم معتم أضيء كما تقولين بما ينعكس علي أديم نفسي من أفكار... ولا شيء غير ذلك... أما في الحقيقة فأنا أرض قحلاء جرداء كلها صخور وأحجار، لا يمكن أن يأنس إليها آدميون... هل سمعت بأحد يعيش في المجتمع بلا أصدقاء؟ ... أنا أعيش منفردًا بلا أصدقاء لا أرى أحدًا إلا لمامًا، للتحدث قليلًا في شئون الأدب أو الفكر أو الفن... أناس من اهل مهنتي... تقضي الضرورة أن ألقاهم... ما أكثر أيامي وأنا بعيد عن المجتمع، لا أسأل عن أحد ولا يسأل أحد عني... لأني لا أملك صفة من تلك الصفات التي تجذب الناس إليّ أو تغريهم بصحبتي... فإذا أنفقت الوقت بحثًا وتنقيبًا في أرجاء نفسي الموحشة المقفرة فإنما يدفعني إلى ذلك الأمل في أن استكشف في بعض شعابها معدنًا نفيسًا له شيء من البريق.»

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
1 تعليقات