أحد أهم مميزات تشيخوف أنه لا يثرثر إطلاقًا بل يكتب ما قل ودل، رواية صغيرة الحجم كهذه الرواية كتبها تشيخوف بأسلوب رائع ومزج أحداثها بمواقف مؤلمة تضعك تحت ضغط نفسي شديد أثناء القراءة وبالذات في نهايتها؛ كأنك أنت الطبيب الذي تحول إلى مجنون أو الغني الذي تحول إلى فقير بسبب هاجس الخوف المسيطر عليه، بعبقرية تشيخوف أستطاع التمعن في أعماق النفس البشرية وإخراج مثل هذا العمل العبقري المتميز بأسلوب فوق الرائع وبقصة فوق الخيال.

يروي تشيخوف قصة في مستشفى المجانين وبالتحديد "عنبر رقم 6" أو كما يقول عنبر العقلاء فرغم أن الطبيب أندريه يفيميتش كان يعاني من سخط على الناس بسبب غباءهم وأصبح لا يفعل شيئًا سوى الذهاب إلى العمل أو القراءة أو شرب الخمر فإنه وجد وبالصدفة البحتة أحد الأذكياء الذي كان يحلم بالتكلم معهم ولكن الغريب أنه وجده في عنبر رقم 6 في مستشفى المجانين فتحولوا إلى أصدقاء وكانوا يجلسون مع بعش الساعات الطوال، وعندما رآه الأطباء يتحدث مع إيفان دميتريتش المجنون العاقل ظنوا أنه مجنون وانقلب حاله ليسكن مع هؤلاء المجانين ثم موته كأنه لم يكن موجودًا.

وعلى الجانب الآخر في الماضي قصة إيفان دميتريتش الرجل الغني الذي سيطر عليه هاجس الخوف من الموت وأصابه الرعب من أن يرتكب جريمة بغير قصد فتؤدي إلى هلاكه وبسبب هذا الهاجس دخل مستشفى المجانين ليقابل أندريه يفيميتش وتبدأ القصة.

تشيخوف من البشر ذوي العبقرية الفذة الذين يتكرروا مجددًا، لا أعلم كيف كانوا يكتبون مثل هذه الروايات البسيطة في ظاهرها العبقرية في باطنها، الراوية ممتعة ومحبوكة وتدل على العبقرية، مكتوبة بأسلوب مؤلم يفتح أعيننا على حقيقتنا الباطنة الساذجة والسطحية، وكانت وستظل هذه الرواية عملًا يستحق القراءة والتقدير والإعجاب، والتقييم: 10 من 10.