قلعة النسور "آلموت" > مراجعات رواية قلعة النسور "آلموت" > مراجعة abd rsh

قلعة النسور "آلموت" - فلاديمير بارتول, طلعت الأيوبي
أبلغوني عند توفره

قلعة النسور "آلموت"

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الحقيقة أن الحياة أشبه بحكاية.

فقد كان يعلم جيداً أن العامة لا تؤمن بالخرافات وحسب، وإنما تستمتع بالتأكيد بسماعها أحاديث عن صنّاع المعجزات وتستقبلها بكل سرور.

فوجود معرفة كاملة ونهائيّة ضربٌ من المستحيل لأن حواسنا قاصرة، ومع ذلك فهي الوسيلة الوحيدة القائمة بين عقولنا والموجودات من حولنا.

وهذا بالتحديد ما أكّده "بيثاغور" وسواه. ومن أجل ذلك أتّهمهم الناس بالإلحاد. تلك هي حال العامّة في كل زمان ومكان.

الناس يخشون الشّك ويفضلون الأكاذيب على المعرفة مهما كانت إن لم تكن تستند إلى أساس متين.

إن الوهم، عنصر ككل كائن حي، وعامل اللذة، وباعث من بين بواعث كثيرة وراء كل عمل وكل تقدم...

تلك هي وجهة النظر الوحيدة الممكنة بالنسبة لأولئك الذين بلغوا مستوى عالياً من المعرفة.

لقد رأى هيراقليطس في الكون كومة فوضوية ينظمها الزمن، الذي هو، برأيه، أشبه بطفل يلعب بحصى متعددة الألوان، يجمعها ويبعثرها على هواه.

يا للمقارنة المرهفة! هذا الشغف البناء المبدع ألا يختلط بإرادة غير مفهومة تدير العوالم؟ تدعوهم للحياة ثم تفنيهم؟

ونحن أيضاً، نعيش في عالم مشابه. نخضع للقوانن التي تحكمه.

ونحن جزء منه ولانستطيع الخروج منه. وبإمكاننا على الأرجح أن نؤكد أن الضلال والوهم في هذا العالم هما المحركان الأساسيان...

وحسب أفكار ابن الصباح فإن من أدرك أن ليس بمقدور المرء معرفة شيء، ولايؤمن بشيء، فإن كل شيء أمامه مباح، ويمكنه أن يتبع هواه دون خوف.

فهل تكمن هنا حقاً المعرفة النهائية الممكنة؟

ومن هنا تنبع ذروة المعرفة في وصف عقيدته: "لاشيء صحيح، كل شيء مباح!".

وقد عزم ابن الصباح على القيام بكل ما هو في قدرة البشر لئلا يخفق.

فإن فكرة مثل تلك تكبر وتنمو في داخل الرجل مثلها مثل طفل في رحم أمه.

تكون في البداية صغيرة جداً، وليس لها شكل ما، وتدأب على إيقاظ رغبة جامحة تدفعه إلى المواظبة وعدم التراخي.

ومن ثم تصبح تلك الفكرة قوة عظيمة. إنا تؤثر وتستولي أكثر فأكثر على ذاك الذي يحملها، إلى حد أنه لايرى شيئاً سواها، ولا يفكر في أي أمر غير تجسيدها، ولاشغل له إلا إخراج هذا المخلوق المذهل إلى العالم. إن الرجل الذي يرعى في نفسه وهماً كهذا هو حقاً أشبه بمجنون.

حتى أنه لايسأل نفسه إن كان ما يريد صوابأً أم ضلالاً، خيراً أم شراً. يتصرف كما لو أنه تحت تأثير أوامر نظام خفي.

إنما يعلم فقط أنه وسيلة لخدمة شيء أقوى منه وحسب. وما همه إن كانت تلك القوة الدافعة آتية من السماء أو من جهنم!

فالناس بحسب استعدادهم للمعرفة، يتبوؤون مرتبة في هذا العالم، والرجل الذي يريد أن يقودهم عليه أن يحسب حساب تنوع كفاءاتهم.

فالكثرة من الناس في الماضي، كانت تطالب بأن يأتي الأنبياء بالمعجزات. فكان يتحتم على الأنبياء ذلك إن هم أرادوا المحافظة على تأثيرهم..

كلما كان مستوى وعي جماعة ما منخفضاً، كلما كان الحماس الذي يحركها أشد و أعنف.

ولهذا قسمت البشر إلى معسكرين متباينين.

ففي الجانب الأول تقف حفنة من أولئك الذين يعرفون ما الذي يحدث، وفي الجانب الأخر هنالك حشد هائل من أولئك الذين لايعرفون شيئاً.

الأولون مهمتهم القيادة، والآخرون عليهم الانقياد. الأولون بمثابة الأهل، والآخرون يمدون أيديهم نحوها.

فماذا يتبقى آنذاك أمام أولئك الأولين.. غير أن يقدموا لهؤلاء الآخرين الأساطير والترهات، والكذب والدجل؟

ومع ذلك فالشفقة وحدها هي التي تدفعهم لذلك. ولا أهمية للقصد، بما أن الخداع والمكر هما في جميع الأحوال لاغنى عنهما لمن يريد الأخذ بيد جموع الناس نحو هدف واضح أمام عينيه تعجز الجموع عن فهمه.

وبالفعل فإن عقل الإنسان، فكره، تطلعاته ستنطلق جميعاً كالنسر إن لم تعترضها عقبة كبيرة.

وتلك العقبة هي جسدنا بكل ما فيه من نقاط ضعف.

هل من شاب لايحمل في صدره طموحات نبيلة؟ ومع ذلك، لايحقق من مقاصده الكثيرة إلا مقصداً واحداً. لماذا؟

لأن جسدنا المجبول على الكسل والدعة، يرتاع من الصعوبات التي تنتظره لتحقيق الأهداف السامية.

إن أهواء الجسد الوضيعة تشل إرادتنا كما تشل غاياتنا الرفيعة. وقهر تلك الأهواء، وتحرير الروح من رقتها، هو الهدف المنشود.

إن تقوية الإرادة وتوجيهها كما ينبغي نحو هدف محدد هو السبيل الوحيد للتقدم حتى يستطيع المرء إنجاز الأعمال الباهرة التي تتطلب التضحية بنفسه.

فليس المقصود بالتالي حشد الأعداد الوافرة من أولئك الذين يخضعون لرغبات جسدهم وضعفه، بل الهدف اصطفاء شخص من بينهم، هو الأمر لجسده حتى في أقل لحظات ضعفه. وعلى هذه الأسس انطلق الحسن بن الصباح في تأسيس جذور أفكاره، ففي نظره، القضية العظيمة لابد لها من تضحيات جسام.

وبالمثابرة والتدريب تبلغ السيطرة على الجسد وقوة الإرادة مبلغاً تتغلبان فيه ليس فقط على الضعف الإنساني وانما على الطبيعة نفسها وقوانينها..

في النهاية إذا سئلت ما مغزى هذا العمل وما الجدوى منه، فلن أستطيع إجابتكم. نحن نكبر لأن بداخلنا قوة تدفعنا للنماء، للارتقاء.

مثل البذار التي تنبت في التراب وتخرج من الأرض وتزهر وتعطي الثمر. فجأة وجدنا أنفسنا هناك، وفجأة سنموت...

حقأً، إن الإنسان أكثر المخلوقات غرابة.

يريد أن يحلق كنسر، لكنه لايملك أجنحة.

يريد قوة الأسد، لكن لابراثن لديه.

ياللنقص الذي خلقته فيه يارب! ولتعاقبه وهبته أيضاً العقل والقدرة على إدراك بؤسه...

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
اضف تعليق