وا إسلاماه > مراجعات رواية وا إسلاماه > مراجعة محمد الجدّاوي

وا إسلاماه - علي أحمد باكثير
أبلغوني عند توفره

وا إسلاماه

تأليف (تأليف) 4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

لقد ذاعت الأخبار وانتشرت في مختلف البقاع: عدوٌّ لا يهزم بات على الأبواب، يُحيل المدن إلى خراب، ويحرثها لتعود تراب، ويذيق أهلها ضروباً من عذاب، وقد زحف ببغداد، فاستحالت من عاصمة علوم وفنون، إلى ثبور ودثور.. وها هو يتجه صوب مِصر ومماليكها، فمن يدفع عنها الشر الآن ؟ من لأهلها؟ بل.. من للإسلام؟

لمّا تفرّق المسلمون وراحوا يتسابقون على نيل حظ الدنيا، شرعوا بقتل بعضهم في معارك أريقت فيها دماء مسلمة لأجل متاعٍ زائل، وحيث تعاقبت الأعوام وتتالت، فأضحى هذا القتال هواية مفضلة -ليومنا هذا-، فاستمروا على ذلك إلى أن سقطت خوارزم وما يقاربها، وسحقت بغداد بعلومها، وأتى الدور على مصر.

ثمّة رجلٌ أدرك كما لم يدرك غيره، الخطر المحدق القادم، فأمسك بزمام السلطة بسرعة، لا لطمع منصب أو لعزوة سلطان، بل لتوحيد الكلمة ودحر الشر، وقد قال عندما احتشد معارضوه: "إنّي ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار ولا يتأنّى ذلك بغير ملك قادر، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم.. أقيموا في السلطنة من شئتم، وإذا كان فيكم من يرى نفسه أقوى مني على الاضطلاع بهذا الأمر فليتقدم إلىَّ لأحلّه محلّي فيعفيني من هذه التبعة العظيمة ويتحمل مسؤولية حفظ بلاد الإسلام أمام الله."

من يكون هذا الرجل؟

إنّه ابن أخت السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه، اسمه محمود وهو ابن الأمير ممدود ابن عم جلال الدين.. ولكن التاريخ لم يعرفه بهذا الاسم بل باسم آخر:

...

الملك المظفّر سيف الدين قطز.

أجل.. إنه بطل معركة عين جالوت الذي جاهد المغول التتار كما جاهدهم خاله من قبل.. فكتب الله له النصر، وأزاح على يديه ومن معه كرباً عظيماً كاد ليحل على المسلمين.

تسرد هذه الرواية التاريخية حياة قطز منذ الولادة وإلى الموت، ومعه ابنة عمّه جهاد التي سمّاها فيما بعد تجّار الرقيق بـجلنار، وعلى الرغم من عدم ثقتي التامة بكل ما تسرده الروايات التاريخية، فهي في احيانٍ كثيرة تنزع ناحية اضافة حسّ دراميٍّ مؤثر على الأحداث وتمضي كذلك في سرد أحداث تكاد تجزم باستحالة وجود راوٍ لها أو مدوّنٍ موثوقٍ يدونها.. أقول: على الرغم من عدم ثقتي التامة بالروايات التاريخية، فإني أقرؤها لحوز فكرة عامة عن الأحداث التاريخية الهامة، فهي وإن كانت تحيد هنا وهناك، تبقي على الأحداث المهمة البارزة والشخصيات التي شاركت فيها، وتحتفظ كذلك ببعض الأخبار والمعلومات المثيرة لتلك الأوقات وترويها في تسلسلها.

اضطربت الأجواء في مصر لمّا علم الناس بنوايا أحفاد جنكيز خان، فقد جاءت رسل التتار تبشر بعذاب مقيم إن لم تسلّم لهم مفاتيح البلاد، فعُقد مجلس طارئ ضم أمراء القوم وكبارهم، فآثر هؤلاء التسليم لهم ومعاهدتهم على جزية يدفعونها لهم سنوياً، فاستشاط قطز وامتقع وأبى إلا أن يقاتل الأعداء، فقام إلى كبير الجماعة واختطف منه سيفه، فكسره ثم ألقاه أمامه وصاح: "إن السيف الذي يجبن حامله على القتال لخليق أن يكسر هكذا ويلقى في وجه صاحبه".. لقد كانت عزيمة قطز كبيرة لا تضاهى على الجهاد وكسر شوكة التتار، فلم يكن ليسمح بأن تسلّم البلاد وبأن يرضخ أهلها للذل والهوان.

لم أتوقع أن أمر بهذا في هذه الرواية ولكنّي أحسست بأن أحداثها تمرّ أمام ناظريّ حتى لكأنّي أشاهد فِلماً ذا قصةٍ عالية الجودة، فتصاعد أحداث فيها جعلني أذهل لكونها احداثاً حقيقية إذ بدت كملحمة أسطورية عن سلطان صالح سعى لنيل حظ دينه بتخليص الأمة من طغاة مستعلين، وحظ دنياه في السير على خطى جده وخاله في مكابدة المشقّة والظفر بعدوهم القديم.

المجالس الحربية المنعقدة ، مشاكل تجهيز الجيش، التعامل مع المتخاذلين، وصول رسل التتار بالنذير، حل المشاكل الداخلية، استعراض القوة العسكرية استعداداً للمعركة المنتظرة، المجلس الحربي الأخير.. ومن ثم المسير للمعركة، يا لها من أحداث تعبق بأجواء جاذبة لم تدعني أبرح حتى أشبعتني بعطرها العتيق.

وقد عرفتني الرواية على عدد من الشخصيات التاريخية المهمة كعز الدين بن عبدالسلام، وجلال الدين، وشجرة الدر التي كان لها دور مؤثر في المجريات، والشخصية الكبيرة المثير للجدل والتي لم أعرف عنها قبلاً إلا القليل، بيبرس.

عندما وصلت الأحداث للذروة، معلنةً الوصول للسجال الأخير بين التتار والمسلمين، في عين جالوت، فاضت مشاعري، واعتمل شيءٌ ما في صدري، ولا أخفيكم أني تأثّرت بمشاعر قطز الجيّاشة، ومروءته العظيمة، حينما أطلق تلك الصيحة المشهورة، وانضمّ بنفسه للقتال، بعد أن خلع خوذته وألقى بها جانباً، فقد كان يعلم أن هلاك فريقه في هذه المعركة تعني الهلاك لبقية المسلمين.

يزعجني كون المسلمين لا يلتمسون توحيد كلمتهم إلا وقت الشدائد العظام، وحينما يستقر بهم الحال، يعودون إلى الاقتتال فيما بينهم لأجل مذهب، أو مال، أو جاه، أو سلطان.. ولكم أسفت على النهاية التي لاقت سيف الدين قطز بعد أن بذل كل ما لديه لأجل نصرت المسلمين.. وما أحزنها من نهاية يلاقي فيها قائد كبير الموت من مأمنه.

لقد ازدحمت الطرق، وتراكمت الجثث، وصَعِقَ الناس لهول المشهد الغامر.. أمّة كثيرة قتّلت أشد تقتيل، ولم يبقى فيها من هو أهلٌ لصدّ الجور عنها حتى ظن أهلها أن القيامة أوشكت، وأن آخر الزمان قد أزِف، وإذ خلصوا نجيّا، وبلغت القلوب الحناجر، فإذا بصيحة مدوية شدّت ازرهم، ووحدت صفوفهم، وساقتهم على قلب واحدٍ، وقد دوى وقعها في غمرةٍ يتردد بين الأسماع أَنْ: وا إسلاماه !

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق