أميركا والإبادات الثقافية - لعنة كنعان الإنكليزية > مراجعات كتاب أميركا والإبادات الثقافية - لعنة كنعان الإنكليزية > مراجعة Mostafa Farahat

أميركا والإبادات الثقافية - لعنة كنعان الإنكليزية - منير العكش
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

في سياق هذه الجراحة الدماغية تركز حرب الإبادة على الأطفال الهنود وعقولهم فيُحقن الطفل باحترام الدولة الأمريكية وعلمها ورموزها وبضرورة أن يحارب من أجلها ، ويدرب على الإيمان بفكرة " القدر المتجلي " الذي قضى يزحف الحضارة فوق كل أراضي وأرواح الهنود ، وهنا يتعلم الطفل أن ماجرى لأهله وبلده كان مواجهة بين بربرية حضارية ، وأن لا خيار امامه ولا أمل لديه إلا بالإذعان .

ها أنا أنهي الجزء الثالث والأخير لسلسة الإبادات ، لكن لم ينتهي بداخلي الحزن والأسى على ملايين الأرواح التي حصدتها " أميركا " بمباركة فكرة " ثورة الأمم " وعقيدة " القدر المتجلي " ، التي يزمعون بها أنه يحل لهم ما فعلوا ويحلل لهم ما سيفعلوه لاحقًا ، لكن المرات القادمة سيتجه خطاف الحصد إلى الشرق ، حتى وإن كان قد توجه إليها قبل ذلك على يد أفكار من ذات النوع ، لكن الإبادة ستكون على نطاق واسع ، رأينا بعضها في حرب العراق ، وعلى قدر هذا الأسى الذي أحمله ، تحته أحمل طبقات من الحنق والغضب على تلك الأمة التي أباحت لنفسها أن تطئ رقبات الملايين من البشر ، ولم تكتف بهذا بل إنها داست عليها ، سحقتها كما لو كانت حشرة مؤذية تطن بصوت مزعج وتريد التخلص منها إلى الأبد ، لتفاجئ بذباب من ذلك النوع ، فيزداد حنقك أكثر فتتعامل معها بوحشية أشد .

لا تستدعي المعرفة التي المجازر التي أقامتها " ثورة الأمم " لملايين من السكان الأصليين ، أن تشاهدها من خلال تلك الأفلام الوثائقية التي تحاول جاهدة أن تنقل إليك الواقع ، لكنه هيهات ، يكفي أن تقرأ فصلًا من هذا الكتاب ، لتصب بعده جام لعناتك على تلك الدولة التي قامت على ملايين الأرواح ، وما زال هوائها يعبق برائحة دم هؤلاء الضحايا ، الذين تلقوا موتهم على كل شكل ولون .

للأسف مما زاد القراءة مرارة أنه يتصادف مع عمليات القصف المستمر على " حلب " في سوريا ، وهنا أيقنت ان أمريكا وإن تخلت قليلاً عن " الإبادة الفعلية " التي تستخدم فيها السواطير والسكاكين وآلات السلخ ، فإنها نجحت في زرع الفكرة في قلوب بعض الحكام الساقطين ، فصارت " الإبادة " فكرة ومرحلة يدخل إليها بعض الحكام ، عندما تغشاهم موجة من الظلم الأشد،كأنهم يحيدون بأنفسهم عن طرق الحكم التقليدية ، ويريدون أسلوبًا فعالاً يستطيعون به أن يقصروا الطريق أمام المحاكم والنيابات فيعملوا فيهم تقتيلاً دون رحمة .

أن تبيد أمة بالأدوات المادية ، فلابد وأن تمهد للإبادة المادية إبادة ثقافية ، في أن تقوم بمحو ثقافة تلك الأمة وتزرع مكانها الثقافة التي تريدها ، حينها لن تجد أي مقاومة من جانبهم ، لكن ربما لا تلقى خططك ما تريده لها من النجاح ، وتلقى فشلًا ذريعًا يهوي بكل وبخططك إلى مسارب الأرض ، وهذا حدث إلى حد ما مع الهنود عندما حاولت أمريكا أن تبيد الثقافة الهندية وتمحوها من أذهان الأطفال ، وتؤسس على انقاضها فكرًا متأمركًا يؤمن بعقيدة القدر المتجلي ، الممزوج بالنبرة الاستعلائية التي تفوج من أفواههم بأنهم أكثر الأمم تحضرًا ، وتؤسس من هذا الهاجس حضارة أكثر عنصرية

حيث يقول : على مدى المسيرة الطويلة من كنعان المجاز إلى كنعان الحقيقية لم يغب عن أنبياء فكرة أميركا وجنرالاتها أن احتلال الأرض والإبادة الجسدية ليست كل شئ وأنه لابد من كسر العمود الفقري لضحيتهم ألا وهو لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي .

كما يقول " لانسلوت أندروس " : الأرض صحن من اللحم موضوع على المائدة ، يقطع منها الإنسان الأبيض ما يريد .

دائمًا ما نجد أن الفكرة المستبدة لا تقوم بمفردها ، بل يقوم معها مجموعة من الأفكار التي تساندها وتعزز بقاءها ووجودها ، فمثلًا كانت نطرية "داروين " المرتكز الرئيسي لفكرة الإبادة ، إن البقاء للأصلح يعني البقاء للأقوى ، البقاء للقادر على اقتطاع أكبر قطعة ممكنة من قطعة اللحم الموضوعة على الطبق ، والحفاظ عليها من أي اعتداء أو مساومة من عناصر ليس لها الحق فيها .

إن اصطلاح " الإبادة " وخصوصًا الإبادة الثقافي أكثر إيلامًا من الإبادة الجسدية ، لأنه يهز أ بفكرك وثقافتك ومعتقدك ، في الوقت الذي يمثل فيه خطرًا على بقاءك ويتهددك كل لحظة ، فما نحن إلا مجموعة من الأفكار والمعتقدات تضافرت فيما بينها فخرجنا هذا الكائن القابع بداخلنا ، فإذا ما استطاعوا أن يسلبونا هذا الكائن سهلت إبادتنا بل محونا .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق