هكذا كانت الوحدة > مراجعات رواية هكذا كانت الوحدة > مراجعة Mostafa Farahat

هكذا كانت الوحدة - خوان خوسيه مياس, ناريمان الشاملي
أبلغوني عند توفره

هكذا كانت الوحدة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

الوحدة التي قرأنا عنها كثيراً دون أن نصل إلى حتى إلى معرفة ماذا كانت أبعادها الأخلاقية ، الوحدة هي أن تجد نفسك فجأة في هذا العالم كما لو أنك قد انتهيت لتوك من المجئ من كوكب آخر لا تعرف لماذا طردت منه ، سمحوا لك بإحضار شيئين كذلك المقعد والبندول الذي ورثته " إيلينا " عن أمها ، واللذين كان بمثابة ضلعين تكملهما بضلع ثالث ، ليكوّنا مثلثاً زمنيًا ، حُصرت فيه إيلينا لتشعر كما لو أن أمها لم تمت ، كانت تشعر أنه يجب أن تحمل كلا الضلعين ( المقعد – البندول ) على عاتقها كما لو كانا لعنةً ، حتى تجد مكانًا تصلح فيه حياتك انطلاقًا من تلك الأشياء ، والذاكرة المشوشة عن العالم الذي أتيت منه .

الوحدة هي عملية بتر ما غير مرئية ، وكنها فعالة جدًا كما لو كانوا ينزعون عنك البصر والسمع ، هكذا هو الأمر في معزل عن كل الحواس ، وعن كل نقاط الصلة وفقط مع اللمس والذاكرة يتوجب عليك أن تعيد بناء العالم الذي يجب أن تسكنه .

ما أقسى الوحدة التي يعانيها الفرد خصوصًا لو كان هذا العالم من حوله لا يلقي بالاً لتلك الآلام التي تصطرح بداخله ، والشئ الأدعى أن يصيب النفس بجراح ناتئة هي أن يلقي العالم عليه نظرة ويمر غير عابئ به ، يحاول أن يتخلى عن عبء المسؤولية التي يكون العالم في الأغلب جزء منها .

تلك هي مشكلة " إيلينا " التي كانت تعاني من قلق واضطراب واغتراب أيضًا ، كانت تحاول الهروب من هذا العالم ، كانت تحاول أن تفك هذا القيد الذي تئن روحها تحته ، وللأسف لم تجد عزاء في كل هذا من زوجها الذي كان يتهرب منها لذات السبب ، ويبحث عن غراميات عابرة ، أو يروم تجارة رائجة ، فيتعامل مع البيت كما لو لوكاندة يبيت فيها ، ويرحل مخلفًا وراءة تلك الجروح الغائرة في قلب إيلينا ، حتى ابنتها .. كانت الفجوة بينهما أوسع من أن تعيد لقاءات ومكالمات " إيلينا " سدها وترميم فوضاها

" كان الأمر كما لو أنهما من زمن بعيد كانا ينتميان إلى نفس الوطن ، ولكن الحياة شتتهما مجبرة إياهما على اكتساب ملامح وعادات وتصرفات غريبة ، حولتهما إلى آخرين دون أن يصلا بذلك إلى فقدان الذاكرة ليس لها فائدة أخرى سوى ان تغذي ضميرالفقدان والتأكيد على استحالة استعادة عادات الوطن الأول ، حيث كانا يملكان سمات قادرة على استحضار عالم خاص ، أرض مشتركة كان التبادل فيها لا يزال ممكنًا "

" إيلينا " تلك المرأة الأربعينية ، التي قضت شطرًا من حياتها في العمل السياسي ، والشطر الآخر في قسم الدعايا والإعلانات ، تفاجئ بأن العمر ينقض عليها كوحش فاغراً فاه يريد أن يستلب منها روحها ، وعلى الرغم أنه لم ينججح في ذلك ، إلا أنه خلف وراءه شبح الخوف والألم والوحدة الذي كان أشد افتراسًا ووحشيةً منه .

ما العلاج الذي استطاعت أن تخلي به أيلينا بينهما وبين الوحدة ؟

في البداية لابد وأن ندرك أن علاج الوحدة لا يمكن أن ينبع إلا من ذات الفرد ، وأن كل محاولات الآخرين لمساعدتنا للخروج منها قد لا يُكتب لها النجاح ، لو لم يستطع الإنسان نفسه أن يرمم ويعيد ذلك الجزء المفقود منه ، ويبحث عن نقاط الوصل التي تفككت بفعل مسلسل الأشياء المتشابهة التي تملأ هذا العالم ، وقمة هذا التشابه هو تشابه الأفراد ، هو أمر أشبه بتلك البنايات المتشابهة ، فالجسد مثله مثل حي كبير من أحياء المدينة تملأها ضواحي وأزقة وشوارع كلها متشابهة في شكلها وحجمها ، حتى طبيعة الأدوار التي تؤدى فيها ، إن لم يملك الإنسان دليلاً لها تاه وفقد طريقه ، لذا لابد لنا من أن نبحث عن طريق لنا داخل هذا الجسد ، نستطيع من خلاله أن نصل إلينا دون عناء ، أو حتى بمساعدة الآخرين الذين لا يقلون عنًا بؤسًا واغترابًا .

" إيلينا " تخلصت من الوحدة ، بأن وجدت طريقًا يوصلها إلى نفسها ، هذا الطريق هو أن تشعر بأن تشغل جزء من عالم أفراد آخرين ، لكن للأسف في أغلب الأحيان لا يعرف المرء ماذا يمثل للآخرين إلا إذا اعترف الأفراد أنفسهم بذلك ، فوجدت " إيلينا " حضورها بتلك التقارير التي أمرت بها وكالة المخابرات السرية ، أن ترسلها عن تحركاتها ، على حد قولها : إن الإيمان بأن أحدهم ينظر إلينا يعطينا القوة على التحرك من مكان لآخر من أجل إنشاء حياتنا الخاصة ، إننا لابد وان ننتهي أبدًا من صنع أنفسنا .

يقول وديع سعادة في ديوانه الرائع :

ليس ممكنًا، بعد، أن تكون حاضرًا مع آخرين، لا بينهم ولا فيهم. لم يعد لديك كلام لهم ولم يعد لديهم كلام لك. إذا تكلّمتَ لا تتكلم إلا مع ذاتك ولو ظننتهم يصغون. وإن تكلّموا لا تسمع إلا صوتك ولو اعتقدوا أنك تصغي. لا تكون إلا فيك ولو كنت في جمهرة. ولا يكونون معك ولو كنت بينهم... لستَ إلا منفيًا وليسوا إلا منفيين .

وكان هذا الغياب سيكون جميلاً لو لم يكن جرفًا جماعيًا، لو لم يكن التزامًا بالركام.

كان جميلاً لو للغائب خصوصية غيابه، وللملغي فردانيّة اختيار الإلغاء.

فللغياب الاختياري نصرٌ على الحضور. للمنفى الخاص نصر على الانتماء. للغياب والمنفى نصر على الجماعة والاستيعاب والامتصاص.

هكذا، يكون المنفى نصرًا نادرًا. يفوز المنفيّ بذاته ولو ليس له رفاقٌ إلا الآفلين، لو ليس له رفاق إلا الموتى.

هكذا يكون للفرد حضور.

هكذا لا يكون للفرد حضور إلا بغيابه

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق