الوسية ( ثلاثية الوسية: الجزء الأول ) > مراجعات رواية الوسية ( ثلاثية الوسية: الجزء الأول ) > مراجعة Mostafa Farahat

الوسية ( ثلاثية الوسية: الجزء الأول ) - خليل حسن خليل
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

من حسن القدر أنى قبل أن أشرع فى قراءة كتاب الوسية كنت قد قرأت كتاب الخالددون لديل كارنيجى ، ثم أتبعته بهذا الكتاب الذى يسطر فيه الكاتب سيرته الذاتية ، كى يتضح لى أن ديل كارنيجى لو قابل هذا الرجل لجعله على رأس هؤلاء كلهم .

الدكتور" خليل حسن خليل " الذى أفسح لى المجال كى تتضح الرؤية أمامى كى أفسر ما يحدث الآن حسب ما عاناه وعاشه فى حياته من تعب وعنت ومشقة .

الكاتب يستعرض سيرته الذاتية ، ويستعرض الفترة التاريخية التى كان يعيشها المصرييون قبل ثورة يوليو من ظلم رجال الوسية لهم ، والتعدى عيهم بالإضافة إلى نهب حقوقهم والبخل عليهم مما هم يستحقونه .

كم عانى هذا الرجل فى حياته ، ما هذه العزيمة الجبارة ؟! ، ما هذا الإصرار الذى لا يضاهيه إصرار ؟! ، كان قوى العزيمة شديد الإصرار حدد له هدف ووصل إليه رغم ما لاقاه من تعب ومشقة ، ورغب ما قابله من صعوبات كان هو أقوى منها ، واستطاع بجده واجتهاده ومثابرته أن يزيح تلك العراقيل ويقول لها " أنا أقوى منك " .

حقاً كم أن الأرض غالية وعزيزة على أصحابها ، فكما يقولون " من يحب الأرض تحبه ، تكلمه ويكلمها ، ومن يدر عنها وجهه تمقته وتلعن هو وأهله وجدوده " لأن الأرض ليس بالشئ الهين . الكاتب مرَّ بهذه المعاناة عندما سلبت أرض أبيه وأخذها " الخواجة " وهو يشاهد هذا كله بعينيه ولا يستطيع أن يبوح بمكنون صدره ، وإلا لضج الكون بصوته الذى تمنى أن صرخ صرخة مدوية من أعماق قلبه أيقظ بها الكون حدباً على ضياع أرضه وأرض آبائه وأجداده .

لكن لم الذى خفف عنه بعض الشئ أنه فى تلك الآونة قد تفوق تفوقاً باهراً ، عندما ظهرت نتيجة المرحلة الإبتدائية وحاز على المركز الأول على مركزه ، ليدخل إلى المرحلة الثانوية التى كانت نصدر سعادته وشقائه فى ذات الوقت .

عندما ذهب هو وصاحبه إلى الثانوية ، فرح فى بادئ الأمر فالمدرسة توفر له وجبة غداء لم يكن يحلم بها وفى بيته فى القرية ، لكن سرعان ما بدأت تتلاشى هذه الفرحة ، فالمدرسة كلفته بدفع نصف المصاريف وليست كاملة لتفوقه ، لكن هيخات أنى له أن يدفع خمس جنيهات وأبوه وأمه وأخوته لا يجدون فى البيت الخبز الحاف ، وأما السبب الثانى أن المدرسة كانت تمنع وجبة الغداء يوم الخميس نظراً لخروج الطلاب مبكراً فى هذا اليوم ، أما هم الذين لا حول لهم حولا لهم ولا قوة فكانوا يظلون لمدة 72 لا يذوقون شيئاً انتظاراً فى يوم السبت لوجبة الغداء . ولم تكتمل فرحة الصبى ، ولم تشفع توسلاته أمام الناظر ، فطردوا من المدرسة والدموع تبلل جباههم.

وينطلق الصبى الصغير الذى لم يكن لينتظر ويجلس فى البيت ليضع يده على خده ، فذهب ليعمل مثل الرجال ، فعمل فى وسية الخواجة ، وف هذه البيئة بدأت الدنيا تتفتح أمامه ، وكأن القدر لا يريد ان يحرمه من التعليم ، فتعلم فى وسية الخواجة ما لم توفره له مدرسة الزقازيق الثانوية ، ومع الأيام تدرج فى سلك الوظائف ليصبح هذا الفتى ابن السادسة عشر مسئولاً عن كل صغيرة وكبيرة فى وسية الخواجة الأمر الذى جعله يكسب رضا الخواجة .

وفى هذه المرحلة إكتشف مفهوم عجز أساتذة الاقتصاد السياسى ان يأتوا بمثله وهو مصطلح الوسية ، ، فالعمل فى وسية الخواجة أثرى عقله بهذا المفهوم الذى استطاع من خلاله أن يحكم على سياسة الدولة الكبرى .

فوسية الخواجة وسية صغيرة الظلم فيها على قدر ما بها من مواطنين ، فالخواجة الذى هو رئيس الوسية ينهب الفلاحين ويمتص عرقهم ، وعندما يطلب أحد منهم بحقه يطرده شر طرده ، فهم مصرييون فمتى كان للمصرى الذليل حقٌ فى بلده ، هل جُنَّ جنونه كى يطلب هذا الشئ ؟! ، كيف طاوعه لسانه أن ينطق بذلك ! .

ثم استنبط من مفهوم الموسية مفهوم مجتمع الأحرار ، وهم الذين يسرقون اللصوص الذين يسرقونهم ، وكأن الأمر أصبح مبرراً لهم كى يسرقوا من يسرقهم ، فسموا أنفسهم أحراراً ومن لم يفعل مثلهم فهو عبد .

وظل مفهوم الوسية بالنسبة له مفهوم ضيقاً ، حتى ذهب إلى الجيش وأظهر فيه براعته وكفاءته وعين فيه أستاذاً لضباط الصف ، وحاول أن يعيد للجندى هيبته بعيداً عن خدمة الباشا والهانم والأولاد ، فقام بالتعاون مع بعض الضباط بتنظيم ندوة تسمى ندوة الروح المعنوية ، لكن الأمر ما لبس ان انتهى فمجتمع الأحرار لا يسمح لمجتمع العبيد ان يبث عبوديته بين أبناء الجيش .

ثم الأمر الذى وسع من مفهوم الوسية عنده ، من وسية الخواجة إلى وسية الجيش ، فالموقف الأول الذى أكد له أن الجيش أصبح وسية أن أحد العساكر القائمين على مخازن التعيين اتى له بملابس وبطاطين بدعوى ان الكبار يفعوا ذلك فلما لا يفعلوا مثلهم ، وأعاد الموقف إلى ذاكرته موقف " أبو حطب " الذى كان يرشيه هو والشيخ وسالم بأكلات الفسيخ والبطيخ والحلاوة الطحينية . أما الموقف الثانى فهو كبير الوسية " رئيس أركان حرب الجيش " الذى كانت الحمولات من الملابس والبطاطين والطعام بكل أنواعه تشحن فى سيارات إلى بيته بما فيها ملابس الأطفال .

وأنا أضيف نوع آخر للوسية وهى الوسية الفكرية التى يحتكر فيها أصحاب النفوذ الفكر ويبخلون به على باقى الأفراد ، فلا يكفيم أن نهبوا الأموال ، يريدون أيضا أن ينهبوا العقول ببث السم والكذب والتضليل فى العقول .

ثم تدرج الأمر بالكاتب فواصل دراسته أثناء الجيش والتحق بكلية الحقوق ، وهنا تكرر معه المشهد الذى تكرر فى الزقازيق ، فالجامعة رفضت أن تعطيه المنحة المجانية إلا إذا أتى لهم بشهادة فقر " شهادة فقر " ، كيف كان وقع هذه الكلمة على نفسه ؟ ، كيف استطاع أن يستسيغها ؟ ، الله أعلم بحالته وقتها ، الأمر أشبه بالضحك المبكى ، لا يكفيهم الفقر الذى يعم ربوع البلاد ونهب الثروات لتوضع فى فم أصحاب الوسايا ، بل يريدون أن يزثقوا هذا الفقر فى شهادات ، كى يجعلوها عاراً على كل فقير ، فيموت كل لحظة وهو حى تنبض الروح بين جانبيه .

لكن عزم الكاتب لم يخبُ ، ولم تقل إرادته فاجتاز هذه المرحلة بتفوق وتقدير " جيدجداً " ، يبدو أن الزمان بدأن يفرج أساريره ، ومما زاد من سعادته أن سمع وزير الدفاع بذلك فاحتفى به ووعده بوظيفة مرموق، لكن يبدو ان وزير الدفاع كان صادقاً معه ، فجاء التعيين فى المناصب الكبرى الأولاد الذوات ، أما هو فكان من نصيبه موظف بالدرجة السادسة بوزارة الدفاع المدنى حقاً " شكرا لوزير الدفاع على هديته العظيمة " .

يبدو أن الفقر كان ولا زال وسيظل عند الطبقة الأرستقراطية التى هاجمها الكاتب تنظر إلى الفقر على أنه حرام ، ويجب التخلص من هؤلاء الفقراء فهم عالة على المجتمع وعالة على أنفسهم ، الأمر الذى يعد كا وصفه الدكتور أحمد خالد توفيق " يوتوبيا " ، لكنها يوتوبيا بشكل قديم .

وتكللت جهود الكاتب بأن ذهب إلى لندن ليحصل على الدكتوراة فى القتصاد السياسى ، ليرجع إلى بلده ليعيش فترة جديدة من حياته بحلوها ومرها ، وإن كان مرها أكثر ، لكن الكاتب يستعرض ذلك فى روايته الثانية من الرباعية " السلطنة " .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق