الخلود > مراجعات رواية الخلود > مراجعة Mostafa Farahat

الخلود - ميلان كونديرا, محمد التهامي العماري
أبلغوني عند توفره

الخلود

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

" جميع الروايات المكتوبة هذه الأيام تقريباً ، تتقيد أكثر من اللازم بقاعدة وحدة الفعل ، أعنى أنها جميعاً قلئمة على تسلسل زمنى وحيد للأفعال والشخصيات والأحداث ، هذه الروايات تشبه شارعاً ضيقاً تلاحق الشخصيات على طوله بضربات السوط ، التوتر الدرامى هو اللعنة الحقيقية التى تلاحق الرواية لأنه يحول كل شئ ، حتى أجمل الصفحات إلى مجرد مرحلة تقود إلى الخاتمة النهائية حيث يتركز معنى كل ما سبق ، وإذ تلتهم الرواية بنار توترها الخاص ذاته ، فإنها تمحق مثل حزمة من القش .."

هذا بالضبط ما لم أجده فى رواية كونديرا هنا ، لم أجد نفسى أمام شارع ضيق ، أحاول فيه أن أجد طريقاً ومنفذاً سريعاً أصل به إلى النهاية ،ولم أشعر بأن هناك شخصيات وأحداث ، أقع تحت وقع سوطها ، لذا كان من الطبيعى أن لا أتلهمها لذاتها ، فتحرق كحزمة من القش .

البداية من كونديرا سعدت بها جداً ، ليس لعظمة فكرتها فحسب ، ولا لعذوبة كلماتها ، بل لأنها جاءت فى وقتها ، لا أعرفُ المبرر الحقيقى لقولى " جاءت فى وقتها " ، لكنى شعرتُ أن كثيراً من كلامها موجهاً لى ، تجسيداً لحالتى ونفسيتى أكثر ، خصوصاً ما قاله كونديرا على لسان (( آنييس )) فيما يتعلق بالطريق والدرب ، يقول :

" الدرب شريط من الأرض نمشى فوقه على الأقدام ، الطريق شئ مختلف عن الدرب ، ليس فقط لكونه مجرد خط يربط بين نقطة بأخرى ، ليس الطريق بذاته أى معنى الشئ الوحيد الذى له معنى هو النقطتان اللتان يصل بينهما ، لدرب تكريم للمكان ، كل جزء من الدرب له معنى ، ويدعنا للتوقف ، فى عالم الدروب الجمال شئ مستمر ومتغير ، يقول لنا عند كل خطوة .. توقف ! .. " .

فى هذه الرواية لا أخفى أنى تعرضت لكثير من الصدمات ، راقتنى هذه الصدمات كثيراً ، لا لشئ ، لأنى بعدها كنت أقول لنفسى " كنتَ أحمقاً فى تسرعك فى الحكم على الأحداث " ، السبب فى ذلك هو ما يبدو لك فى ظاهر الرواية فى أن ثمة أحداث ليس لها علاقة ببعضها البعض لتكتشف فى النهاية ، أنها كلها تصبّ فى ذات النقطة .

فى الرواية تعمد كونديرا أن يهمش الشخصية الأساسية ، هى موجودة ستشعر بها وستجدها من ثنايا الكلام ، لكنه لم يمكز الرواية حلو تلك الشخصية فقط ، نظراً لكم الشخصيات الواردة التى تشعر للوهلة الاولى أنه لا أهمية لوجودهم ، أو ما جدوى وجودهم ، هذا ما قلته عندما وجدت فجأة غوته ، وبتينا ، وهمنغواى ، وآفناريوس ، وروبنس ، الأمر الذى جعل الرواية بالفعل غير قابلة للتلخيص ، لأنك لست أمام شخصيات الرواية فقط ، بل أنت أمام مزيج من الشخصيات ، كل شخصية منهم له عالمه ، وهنا برع الكاتب فى سبر أغوار عالم كل منهم ، بالإضافة إلى شخصية الكاتب ، الذى وضع نفسه بين شخصيات الرواية ، ورغم ذلك ستجد تناغماً وتوازناً بين تلك الشخصيات والذى يشكل بدروه توليفةً بديعة ممتعة .

تعرض الكاتب فى هذه الرواية أيضاً أو بمعنى آخر عرّضنا معه لكثير من المشاعر المتناقضة ما بين الحب ، الكره ، التناقض ، التيه ، الرغبة ، الملل ، وهذا تتلمسه ليس بين فصل وآخر ، بل تجده بين عبارة وأخرى ، وبين جملة وأخرى ، بين كلمة وأخرى ، كل كلمة وعبارة وجملة ، قالها الكاتب على لسان شخصياته المتناثرة فى صفحات الرواية ستجد له معنى أعمق مما كنتَ تتصور .

ذكرنى مشهد آنييس الأخير بالمشهد الأخير فى رواية الشحاذ لنجيب محفوظ ، التى تتشابه إلى حد كبير مع فكرة الرواية فى محاولة شخصيتها المحورية إدراك ذاتها عن طريق أناها ، وبالتحديد ما قالته آنييس " كيف يمكن العيش فى عالم لسنا على وفاق معه ، كيف يمكن العيش مع البشر ، عندما لا نجعل من آلامهم وأفراحهم آلاماً وأفراحاً لنا ، كيفَ نكونُ منهم " .

وهنا يتحتم على الفرد أن ينغلق على أناه حتى يمكنه أن يتفهم العالم الذى يعيش فيه ، أو كما قال غوته " الحرية الحقيقة تكمن هنا بالذات وليس فى أى مكان آخر " .

آنييس مستلقية على العشب ، شاخصة ببصرها إلى السماء ، وتقول :

ما لا يطاق فى الحياة .. ليس أن تكون ، بل أن تكون أناك ، ان تعيش هو أن تحلم أناك عبر العالم ! ..

حينها لم يبق سوى صوت الزمن الراكض وزرقة السماء

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق