ديوان الإمام الشافعي > مراجعات كتاب ديوان الإمام الشافعي > مراجعة محمد الجدّاوي

ديوان الإمام الشافعي - الإمام الشافعي (محمد بن إدريس الشافعي)
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

يُروى أن عبارةً كُتِبت في جامعة هارفورد الشهيرة.. مفادها:

"ألم الدراسة لحظة وتنتهي، لكن إهمالها ألمٌ يستمرُ مدى الحياةِ."

وقبل هارفورد بمئات السنين والأعوام، تكلم أحدهم، فأنشأ في قوله:

"وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً ... تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ"

.

.

.

ديوان الإمام الشافعي

(اعتنى به: عبدالرحمن المصطاوي)

~ تصبّر على مُرِّ الجفا من معلمٍ ... فإن رسوب العلم في نفراته

ومن لم يذق مرّ التعلم ساعة ... تجرّع ذُلّ الجهل طول حياته

ومن فاته التعليم وقت شبابه ... فكبِّر عليه أربعاً لوفاته

حياة الفتى والله بالعلم والتُقى ... إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

الدُرَرُ تبقى دُرراً أينما ألقيتها أو لقيتها..

لا عجب ولا مِراء، أن أبيات الشافعي تحوّلت إلى حِكمٍ تجري

على الألسن مجرى الأمثالِ والعِظات.. ألَا أكرم بها من أبيات!

~ ولَرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ... ذَرعاً وعند الله منها المخرجُ

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها ... فُرِجت وكنت أظنها لا تُفرجُ

لا بدَّ أن الغالبيّة العظمى وإن كانت لا تُدرِكُ ذلك، قد مرّت على

بعض أبياتٍ أو أشطرٍ من أبياتٍ، وقعت على مسامعها كوقع ما يُتداول من حكمٍ وأمثال

غابرة، زخرت بها اللغة أيّما زَخْرٍ، فمرت مرور الكرام دون أن يُؤْبهَ لها، إذ أن الجميع يسمع

ولكن القليل يعقل.

أقول.. لا بدّ أن الغالبيّة العظمى وإن كانت لا تُدرِك ذلك، قد مرّت على شيءٍ من أبيات

الشافعي في فترة ما.. وليس هنالك ما يدعو للعجب في هذا فهو القائل:

" بقدر الكدِّ تُكتسبُ المعالي ... ومن طلب العُلا سهر الليالي "

ومن جملة عباراته:

" رِضا الناس غايةٌ لا تُدرك "

ومما يُنسب إليه أيضاً:

" ما طار طيرٌ وارتفع ... إلا كما طار وقع "

بل هنالك ما يدعو للعجب، فأبياته قد مرّت عليّ منذ نعومة أظافري

دون أن أعي خلال كل هذه السنوات أن القائل لم يكن غيره.

نفسي الطائشة الساذجة التي كانت تدرس في الابتدائية قبل أعوام عديدة،

لم يكن لها أن تعرف أن البيت الشعري الذي لا يكاد أن يمر أسبوع دون

أن يُصْدَعَ به في الإذاعة المدرسيّة في طابور الصباح، كان للشافعي:

" تعلّم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ "

لقد أعادني هذا البيت إلى تلك الأيام.. أيام الصبا الجميلة!

~ نعيب زماننا والعيبُ فينا ... وما لزماننا عيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزّمان بغير ذنبٍ ... ولو نطق الزمان لنا هجانا

على الرغم من بدايتي القديمة في قراءة الديوان، فإني لم أنهه كاملاً إلا

قُبيلَ مدة قصيرة، وهذا يرجع إلى كونه يندرج ضمن ذلك النوع من الكتب

التي لا تمضي فيها لأنك تريد إنهاءها، بل تمضي وتُعيد المضيِّ مراراً

لأنك فقهت منها شيئاً تسعى لترسيخه في نفسك؛ فلا يكاد يومٌ يمرُّ وينقضي

دون أن أتغنى بشيءٍ فيه من شعرِ الشافعي.

مما فاجأني خلال مسيري في الكتاب، أنني وجدت نفسي أتبسّم برحابة إثر بعض الأبيات خصوصاً

تلك التي تميّزت ببساطة الأسلوب ودقّة المعنى وجمال اللغة.

~ فما كلُّ من تهواه يهواك قلبهُ ... ولا كل من صافيته لك قد صفا

إذا لم يكن صفو الودادِ طبيعةً ... فلا خير في ودٍّ يَجِئُ تكلُّفا

ولا خير في خِلٍّ يخون خليلهُ ... ويلقاه بعد المودة بالجفا

ولمّا كنتُ شديد التعلّق بهذا الديوان، بدأت أفاضل بين أبياته وأحفظ منها

ما يقع في نفسي موقعاً طيباً جليل الأثر، فوجدتني أتناول الأبيات أحفظها

بمعانيها وسيرها الحسن، وكان مما حفظت هذه التي لم أملّ يوما من قراءتها:

دع الأيام تفعل ما تشاءُ ... وطب نفساً بما حكم القضاءُ

ولا تجزع لحادثة الليالي ... فما لحوادث الدنيا بقاءُ

وكن رجلاً على الأهوال جلداً ... وشيمتك السماحة والوفاءُ

وإن كثرة عيوبك في البرايا ... وسرّك أن يكون لها غطاءُ

تستّر بالسخاء فكل عيبٍ ... يُغطّيه كما قيلَ السخاءُ

ولا حزنٌ يدوم ولا سرورُ ... ولا بؤسٌ عليك ولا رخاءُ

ولا تُرِ للأعادي قطّ ذلٍّ ... فإن شماتة الأعداء بلاءُ

ولا ترجُ السماحةَ من بخيلٍ ... فما في النار للظمآن ماءُ

ورزقك ليس ينقصه التأنّي ... وليس يزيدُ في الرزقِ العناءُ

إذا ما كُنت ذا قلبٍ قنوعٍ ... فأنت ومالك الدنيا سواءُ

ومن نزلت بساحته المنايا ... فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ

وأرض الله واسعة ولكن ... إذا نزل القضا ضاق الفضاءُ

دع الأيام تغدر كل حينٍ ... ولا يغنِ عن الموت الدواءُ

..ذلِكم الشافعي محمد بن إدريس

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق