يحاول بن نبي في هذا الكتاب أن يثبت استقلالية الظاهرة القرآنية (الوحي) وموضوعيتها بالنسبة للذات المحمدية. وفي تقديري كانت محاول ناجحة "بعض الشيء" وليس تماماً
سأقوم أولاً بسرد سريع للأفكار التي تضمنها هذا الكتاب:
يستهل بن نبي كتابه بمدخل إلى دراسة الظاهرة القرآنية يدحض به المذهب المادي في موازنته مع المذهب العيني
بعدها يقوم بدراسة موجزة عن الحركة النبوية تتضمن كل من مبدأ النبوة، ادعاء النبوة، النبي وأخيراً خصائص النبوة
بضيف إلى دراسته فحصاً للوثائق المدونة والتاريخية أي مصادر الإسلام حيث أن مشكلة المصادر قد حلت بالنسبة للإسلام بصفة استثنائية كما يعبر الكاتب: فهو الوحيد من بين جميع الأديان الذي ثبتت مصادره منذ البداية، وعلى الأقل فيما يخص القرآن
ينتقل بعدها لتجيلة الذات المحمدية والتي هي موضوع القضية، لمعرفتها معرفة صحيحة بقدر الإمكان حيث يقوم بما يشبه السرد السريع للسيرة النبوية بأسلوب أدبي ممتع ومؤثر يخدم هدف الدراسة حيث يستخدم التحليل النفسي أثناء سرده
وينتقل بعدها أيضاً للحديث عن كيفية الوحي ومقام الذات المحمدية في ظاهرة الوحي حيث يؤكد أن الذات المحمدية ترتبط برباط الوحي مع ذات غيبية ميتافيزيقية أي استحالة صدور الوحي عن الذات المحمدية
يفرد بن نبي الفصل التالي للحديث عن الخصائص الظاهرية للوحي، وهما خاصتان: تنجيم الوحي ووحدته الكمية
وفي الفصل الذي يليه يقوم الكاتب ببيان وإيضاح العلاقة بين القرآن والكتاب المقدس
أما الفصل الأخير فهو موضوعات ومواقف قرآنية حيث يبحث الكاتب في بعض آيات القرآن لبيان الصفة الخاصة التي تميز القرآن عن عبقرية الإنسان
حسناً، بعد هذا السرد نرى أن المنهج الذي استخدمه بن نبي لدراسته كان منهجاً شاملاً لجميع الموضوعات التي يمكن أن تساعده في دراسة الظاهرة القرآنية
لماذا إذاً وُفق مالكم بن نبي "بعض الشيء" في محاولته؟
بتقديري أن المشكلة كانت في "التكنيك" -كما في لغة اليوم- الذي استخدمه في دراسته فمن خلاله لاحظت أن الكاتب يملك "أنصاف أفكار" إن صح التعبير ولإكمال النصف الثاني قام بتحليلات وإضافات أضرت بالقسم الأول
كمثال، استخدم بن نبي الآيات القرآنية بأسلوبين مختلفين ليدعم دراسته:
- الاستخدام الأول لا غبار عليه حيث عمد إلى إثبات استقلالية الظاهرةالقرآنية من خلال الآيات القرآنية نفسها أي ببيان إعجازها مثلاً، مثال ذلك الآيات التي ذكرها كمثال على الوحدة التشريعية والوحدة التاريخية
- الاستخدام الثالني والذي لم أجده ملائماً هنا هو وضع فرضيات باستخدام تلك الآيات ومثال ذلك الآيات التي ذكرها لتأكيد خلو البيئة العربية من أي تاريخ توحيدي ، بالإضافة إلى الآيات التي أثبت فيها عدم وجود ترجمة للعهد القديم