إنتهج إرنست همينغوي في روايته هذه ما قد أسميه بالتكبير أو "الزووم" على عينة أو جانب صغير جدا من الحرب الاهلية الإسبانية . أقول تكبير أو زوم لأن الرواية كلها كان يمكن أن تشتمل على 70 أو 80 صفحة بدل 600 بالنظر الى حدودها الزمنية (3 أيام و 3 ليالي) و عدد الشخصيات الفاعلة في الرواية (6 أو 8 على الاكثر) و الحدث الرئيسي (واحد : هو تفجير الجسر) و المكان محدود للغاية . مما يعني أن باقي الصفحات أنفقها الكاتب داخل أعماق هذه العينة من شخصياته مستنطقا إياها بحوارات بينية و مونولوجات داخلية . ربما يراها البعض مملة و لا فائدة منها و يراها البعض الآخر ضرورية لفهم هذه العينة ممن تقرع لهم الأجراس .
لكن اللافت في الرواية هو هذا الحياد الكلي لدى الكاتب تجاه كل المفاهيم و الذي تجلى في الغياب شبه التام للحدود الفاصلة بين "الخير" و "الشر" ، بين الموت و الحياة ، بين المقاومة و الانتحار ، بين السكر والصحو ، بين الشجاعة و الجبن . حتى أن القضية التي يحارب هؤلاء من أجلها يتناولها أبطالها بمزاجية هي أقرب الى الحيادية و تأدية العمل منها الى أن تكون أمرا مصيريا .
ربما سر نجاح و شهرة الرواية أن الكاتب إحترم عقولنا - ربما أكثر من اللازم - حيث كان "أمينا" مع قارئه ، لم يراهن على قلوبنا و لا على عواطفنا .
و للأمانة أقول أن هذه الرواية ربما ما كانت ستلقى هذا الرواج لو كتبت في 2016 .