ثلاثية نيويورك > مراجعات رواية ثلاثية نيويورك > مراجعة خالد الاشهب

ثلاثية نيويورك - بول أوستر
أبلغوني عند توفره

ثلاثية نيويورك

تأليف (تأليف) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

ثلاثية نيويورك هي من الروايات التي لا ينبغي التعامل معها كمجرد رواية بل كلوحة فنية تشكيلية . و إذا لم تكن تتذوق لوحات "فازاريلي" و لم يكن لك سابق معرفة بـ "الفن المستقبلي"و فلسفته تجاه الحركة فلن تخرج من الثلاثية بالكثير . بول أوستر في لوحته - و لا أقول في روايته -يعتمد على الحركة و الإيقاع كقيمة جمالية لا تخطئها العين . فإذا تمزقت "المظلة" مثلا و لم تعد تؤدي وظيفتها ، فلماذا نستمر في تسميتها "مظلة" ؟ لماذا لا تخضع الأسماء للحركة الزمانية و المكانية مثل مسمياتها ؟ و ماذا لو عممنا هذا على كل عناصر الحياة ؟ ثم أليست هذه العناصر تتداخل فيما بينها في حركة ما و بإيقاع يخضع بدوره لهذه الحركة ؟ يقول بول أوستر : " و لكنني أميل الى الإعتقاد بأن لكل شيء أهميته ، ففي نهاية المطاف لا تعدو كل حياة أن تكون مجمل حقائق يرتبط بعضها ببعض و يتوقف عليه . مسلسلا من تقاطعات واكبتها الصدفة ، و من رميات بدون رام ، و من أحداث عشوائية لا تفصح إلا عن إفتقارها للهدف" .

فإذا كان الامر على هذا النحو ، ألا يحتاج الأدب الى مبدع مثل بول أوستر ليحول الحركة التي تتخذها هذه التقاطعات الى قيمة جمالية منسجمة ضمن وحدة متكاملة ؟

و من أمثلة "الحركة" التي يستخدمها بول أوستر كثيرا و يبني حبكته عليها ، حركة الساعة الرملية ، حيث حركة الإمتلاء متوقفة على حركة الإفراغ . فإمتلاء الجزء لا يتم إلا بفراغ الجزء الآخر . و ما تقوم به هذه الحركة هنا مرتبط عكسيا بما تقوم به نفس الحركة هناك . و هذا واضح عند بول أوستر في ذوبان الهويات في بعضها ، حتى أنه يعطي أحيانا أسماء الألوان لأبطاله "وايت" و "بلاك" و "بلو" ليعطي لهذا التداخل الهوياتي جمالية أكبر . و لا يقتصر الامر على الهويات بل إن كل العناصر التشكيلية في اللوحة - مادية كانت أو معنوية ، مكانية كانت أو زمانية - بما فيها بول أوستر نفسه هي أدوات عند بول اوستر ، يمكن أن تشارك و تلعب دورها في هذا المسلسل من التقاطعات "المدروسة" و المنتقاة بدقة حتى يبقيها ضمن واقعيتها دون أن يذهب بها الى الأقصى حتى لا تتحول الى " لوحة تجريدية" بالكامل فليس هذا غرضه .

إذن فأنت امام لوحة فنية، بغض النظر عن موقفك من جزئياتها لا تملك إلا أن تنظر إليها بإعجاب و تقدير -ضمن وحدتها -كقيمة فنية. إنه يوظف "التحري" الذي تتسم به رواياته كقماش يرسم عليه لوحته ، و لأن التحري و المراقبة المستمرة خير وسيلة لخلق هذا الإندماج و التداخل الهوياتي بين "حياتين" تخضعان للحركة التي تنتج من التقاطعات التي تواكبها الصدفة. و كحركة الرمل في الساعة الرملية تنصب حياة في حياة و هوية في هوية و معنى في معنى .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق