المقامر > مراجعات رواية المقامر > مراجعة ميسم عرار

المقامر - فيدور دوستويفسكي, محمد طارق
تحميل الكتاب

المقامر

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#المقامر

عندما بدأت القراءة قبل أكثر من أربعة عشر عاماً، كنت ألتهم الروايات الغربية التهاماً، قرأت أعمالاً كثيرة مترجمة من الانجليزية والفرنسية، ولكن لم يحدث قط أن جربت قراءة الأدب الروسي الذي تغنّى به الكثيرون ممن أعرفهم من القرّاء، حتى أثاروا فضولي لأقرأ فيه وأطّلع عليه، فبدأت في عمر التاسعة عشر - بعد انقطاع دام سنوات عن قراءة الاعمال المترجمة والانشغال بالأدب العربي - بدأت أحاول قراءة دويستوفسكي في "الإنسان الصرصار" لأجد نفسي ضائعة تماماً، غير قادرة على مواصلة القراءة، وما زاد الأمر سوءاً هو القراءة الإلكترونية حيث لم يتوفر الكتاب بين يدي.

ولكن، مرة أخرى، في الواحدة والعشرين قررت أن أجرب حظي مرةً أخرى، وهذه المرة باستخدام الورق الذي أفضله بالطبع - فبدأت بأصغر روايات الكاتب "المقامر".

لا أخفي عليكم، لم يشدني العنوان كثيرا في البدياة رغم أن اسم الكاتب وحده يجذب اي قاريء إليه، ولكني أيضاً أهتم بمواضيع القصص والكتب التي أقرأها، وفي الحقيقة لم يكن القمار موضوعاً يثير فضول فتاةٍ تمقته مثلي على أية حال.

ولكن، ما إن بدأت القراءة حتى وجدتني أتدحرج إلى ثنايا الشخصيات والأحداث والصفحات بسلاسة وخفة وتشويق بالغ، لدرجة أنني أنهيت الكتاب في يومين ونصف - رغم عملي المرهق.

لن أتحدث عن اللغة كثيراً، فهذا على أية حال أدب مترجم أي أن هنالك فارقاً في اللغة وفارقاً في الترجمة، ويجدر بي الإشارة إلى جمال الترجمة ووضوحها للأستاذ سامي الدروبي، سأصفها باختصار، جميلة وسلسة ودقيقة جداً، ممتلئة بالحوار وهذا هو الجانب المفضل لدي.

أما عن القصة فهي رائعة جداً، سيقرأ الشخص صفحات كثيرة قبل أن يلحظ أي حدثٍ جلل، ولكنه أثناء القراءة سيراقب سير الأحداث من عيني شخصية البطل، في الواقع، لقد تعلقت عيني بعجلة الروليت كما تعلّقت عينا ايفانوفتش وعشت لامبالاته عندما وهب ماله كله لدوموزيل بلانش وأحببت باولين كما فعل وتحرك قلبي صاعداً هابطاً برفقة الجدة وهي تلعب بجنون، لقد شعرت بكل تلك الأشياء، ولا اخفي عليكم، تحمست لرؤية هذا العالم عن قرب، بعدما عشت مشاعر المقامرين ورأيتهم بوضوح أكبر.

لقد كتب دويستوفسكي عن شخصيته بانسانية وحيادية واستقلالية تامة، فوصف المقامر من جميع الزوايا، حيث هذا الرجل معلم ومربي أجيال، وعاشق ولهان، ومقامر متعلّق جداً بطاولات القمار، وصديق جيد، وأكثر، يصف دويستوفسكي الشخصية المازوخية عن قرب بدقةٍ شديدة فيتحدث عن حب ايفانوفتش لباولين الذي يجعله يستمتع بإذلالها له، كما تحدث لاحقاً عن الشخصيات الأخرى عن قربٍ أيضاً، كالجنرال الذي يسعى للحفاظ على أمواله ومكانته وامرأته، وباولين التي تخفي شبكة وأسراراً خاصة، وبلانش المرأة الارستقراطية الفارغة التي تفي للمال أكثر من اي شخص أو شيء آخر، والجدة التي تتمسك بالحياة بكل قوتها وتظهر لنا شخصية قوية سليطة اللسان تقول الحقيقة بوضوح شديد فتسهّل المهمة على القاريء وهذا ذكاء أدبي جميل يحسب للكاتب، وهنالك ايضاً دي جريو الفرنسي ومستر آسلي الذي يبدو اقرب ما يمكن في الجزء الأخير من الرواية ليحظى بأكبر إعجاب.

وهنالك ايضاً عنصر المفاجأة، الذي يتمثل في تصرف باولين تجاه ايفانوفتش، وفي لقاء آسلي بالبطل في الجزء الأخير وفي الخسارة النهائية للجدة على الروليت، ولزواج بلانش من الجنرال، والأهم من كل هذا المفاجأة في شخصية البطل بحد ذاتها، فعندما تبدأ القراءة ترى بوضوح رجلاً ساذجاً عاشقاً مولهاً ومازوخياً بطريقة مثيرة للسخرية، ثم لاحقاً يظهر رجلاً لامبالياً بارداً فاقداً لكل محفزّات الحياة، ثم يبدو لنا رجلاً شهماً نبيلاً طيباً جداً يدفع القاريء ليحبه، واخيراً يبدو بوضوح رجلاً مقامراً مدمناً على القمار ضعيفاً أمام هواه حتى حربه الأخيرة حيث يتركنا دويستوفسكي نتخيل ما نشاء لنهاية هذا الرجل الذي عشنا معه قرابة العامين ونحن نراقب تغيراته وتقلباته وكل تناقضات النفس البشرية في داخله.

لقد كتبت الرواية في ظروف صعبة ذكرها المترجم في البداية حيث اضطر دويستوفسكي لاملائها على فتاة ما وتسليمها في غضون خمسةٍ وعشرين يوماً، ربما لذلك جاءت أقصر من أعماله الأخرى ولكن ذلك لا يعني أبداً أنها أقل جمالاً وذكاءً ومتعةً.

سأكون سعيدةً جدا بقراءة أعمال دويستوفسكي مرةً أخرى، ومن الواجب أن أنصح الجميع بقراءة هذه الرواية لانها عالم مختلف بالفعل ملأى بالتفاصيل التي لا يراها الآخرون بوضوح.

تستحق أربع نجمات ^_^

#ميسم

28- يناير - 2016

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق