ليس كل الأحلام قصائد > مراجعات كتاب ليس كل الأحلام قصائد > مراجعة أمل لذيذ

ليس كل الأحلام قصائد - مجموعة من أطفال هولندا, عبد الرحمن الماجدي
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتجربة فنية وثقافية وإنسانية قام بعض المثقفين في لبنان بالطلب من مجموعات عشوائية من الأطفال برسم ما يشغل بالهم،وكان الهدف الحقيقي للتجربة هو رصد إن كان هناك تأثير للحرب على هؤلاء الأطفال،وبعض هؤلاء الأطفال ولدوا في الحرب ولم يعايشوها، ومنهم من كانوا في سن الثانية أو الثلاثة او الرابعة في وقت الحرب،منح الأطفال أوراق بيضاء كثيرة وعلب عديدة من مختلف الألوان، ولم يتم تخصيص تعليمات للرسم وإنما ذكر لهم بأن يرسموا أكثر هاجس بالنسبة لهم،وكان الوقت متاح للأطفال وأيضاً الحرية،وبعد إنتهاء التجربة وجمع اللوحات الفنية الطفولية لاحظ المثقفون أن الأطفال رسموا الحرب على أوراقهم،هذا ما إسنتجته عقول المثقفين ولكنهم أرادوا التأكد من ذلك فسألوا الصغار،وإزدادت ملامح المفاجأة على وجوه المثقفين عندما سمعوا ردود الأطفال حول الحرب،وكان أسلوب المثقفين حول إستفسار كل طفل عن لوحته دون الإشارة الواضحة إلى الحرب،هناك من الأطفال من لم يسموا الحرب بإسمها ولكنهم وصفوها وهم يمسكون لوحاتهم ،كانت الدماء تسري في اللوحات وكانت الآهات والدموع منتشرة في عيون شخصيات اللوحات،وبعض الأطفال تبين بأنهم تعلموا كيف تنطق كلمة "حرب" من ذويهم وعلمتهم الحياة معنى الفقد فكانت رسوماتهم تحتوي على تذكارات أقارب رحلوا عنهم،هذه التجربة أوضحت بأن الحرب وإن إنتهت إلا أن آثارها إستمرت حتى وإن لم تستخدم الكلمة أمام الأطفال،وأيضاً هناك الأرواح الجريحة التي لم تستطع إخفاء جروح الحرب أمام صغارها،وكذلك هناك من أحس بأن الأجنة في الأرحام ربما كانت تسجل وقائع الحرب بطريقة ما!

وكتاب (ليس كل الأحلام قصائد) وهو مكتوب من قبل مجموعة من الأطفال الهولنديين وقام بترجمته و وضع مقدمته عبدالرحمن الماجدي،يوثق تجربة مماثلة لما ذكرناه أعلاه ولكن بالكلمات وفي هولندا،وهناك فرق آخر فالأطفال في هولندا طلب منهم كتابة أشعار عن أحلامهم بخلاف التجربة اللبنانية ولكننا سنلاحظ أن حتى في هذا الإختلاف يوجد وميض تشابه،والتجربة الهولندية تم تقديمها للأطفال على شكل مسابقة وتم إعلان القصائد الفائزة فيها وأيضاً تم جمع أفضلها في هذا الكتاب،ومنذ الأشعار الأولى سنتتبع رغبة الأطفال في أن يكونوا أحرار وأن يكونوا جزءاً من الطبيعة ،ففي القصائد تمنى بعض الأطفال لو كانوا "وردة"أو "غيمة" ،ومن مقاطعها "لو كنت وردة لو قطفت لو وضعت في مزهرية حينذاك سأشعر بالماء من حولي"و"حلمت بأني غيمة وكانت الريح تهب حينها رن المنبه وطيرت الريح حلمي"،ونشعر اثناء قراءة هكذا قصائد بأن لدى الأطفال قدرة كبيرة على الإحساس وأيضاً خيال نابض وكذلك معرفة بأن لكل شيء بداية ونهاية وما بين البداية والنهاية هو ما هو معاش، وإذا بالموت يدخل حتى عالم الصغار فيبدون توقعهم قدومه وتخوفهم منه ،هم في قلق من خسارة أحبتهم وحيوانتهم مشمولة أيضاً،فطفلة تقول :"حلمت بالأشباح"وطفل يقول :"حلمت بأن أرنبي مات وهو في الحقيقة كذلك"،وهنا يواجه الأطفال حتمية الموت و وجود مراحل فراق في الحياة،أما يبدو كحلم طريف ولكنه يحمل مغزى عميق فهو أتى على لسان ديفية فيقول "أحلم بديفيد الذي هو أنا"،فهذا الصغير الذي لم يتجاوز الصف الثالث الإبتدائي للتو أخبرنا برؤيته،هو عنده رؤية لنفسه بأن يبقي عليها،والحزن هذا الشعور الغامض يزور الأطفال فتقول كريستل :"أبي ضاع وأمي ضاعت ،أختي ضاعت ،وأختي الأخرى ضاعت"،وبارت يقول :"إنني أبكي فجدتي قد ماتت لكني في ذات الوقت سعيد لأني ما زلت حياً"،وتعامل هؤلاء الصغار مع الحزن يبدو ناضجاً إن قارناه بتوقعاتنا لهم،ربما لكونهم يقرون بأن الحزن من ضمن الحياة وبأن من المهم التعبير والتنفيس عنه،وإذا بقصيدة ثائرة على الحرب وناقدة لها كتبها جون فان يوخن ويقول فيها :"من الحرب تأتي العنصرية"ومن الحرب يأتي الكثير من الفقر" وهذا الطفل هو على درجة عالية من الوعي،فهو يعدد تراكمات الحروب وسلبياتها ولكنه يحتفظ بأجمل ما في أرواح الأطفال ،وهو رؤيتهم الخير حتى فيما هو مضرج بالشر او ما نسميه عادة بالأمل فيقول :"أحلم بأن يأتي من الحرب السلام"،ويكمل جوناثان ميتس ما بدأه زميله جون فيقول :"حلمت برجل يقول :ما أشد اختلاف البيض عن السود،سأصنع حبوب دواء تجعل كل الناس خضراً فلن تندلع أي حرب بعد ذلك،وجوناثان بهذه الحروف القليلة رسم لنا بشاعة العنصرية وكيف أنها سطحية وأرسى رغبته الصادقة في إيجاد حل لها،هي مرض يحتاج إلى دواء،ومن أرق وأرقى الأخيلة التي وردت في القصائد كانت قصيدة فاوتر باومان :"القمر يحلم،إنه يحلم بالبشر.يحلم نهاراً.يحلم بما يجري هنا.أنه،دائماً،ينظر للأسفل،يود معرفة ما نحلم به"،وفيها مزج للكلمات العذبة الحالمة و النية الملونة بترقب ولوج الفرح،ونلتقي بجيمي الذي لا يخفي ثقته بنفسه ومحبتها له فيقول :"الشمس جميلة القمر جميل لكن الأجمل هو جيمي بملابسه اللافتة"،وإدراك قيمة النفس وإرادتها أيضاً يظهر لدى رولف فييرس القائل "حلمي البيتي هو كوخ.أكواخ مجتمعة أكواخ من خشب أكواخ خشبية أصنعها بنفسي أصنعها لي"،وهذه الأحلام والأشعار تبرز القوة الداخلية لدى الأطفال وربما لهذا يذكرنا البعض بأن نبحث عن الطفل الذي بداخلنا حينما نكبر في الأوقات الصعبة،فالطفل يثابر دوماً لينال مبتغاه ولا يخشى أن يحلم ،وكان هناك طفل يدعى محمد كاستار تطرب أوتار أوقاته بحلم عودته لأرض أهله فيقول :"حلمت بالمغرب حيث المكان هناك رائع كم أود العيش هناك لكني ما زلت صغيراً"،فهل نسخ محمد حلمه من أبيه وأمه أو هو تعلم حب هذا الحلم منهما أو ترنم بطريقة نطقهما لكلمة"المغرب"،لعل حلم محمد كان جامعاً لكل هذا،ويتغزل الصغار بأحلامهم ويعيشون عليها ومنهم قول باس كونينكس بأن "الأحلام شيء جميل تجعلك فوق الغيوم تمشي مستمتعاً على سقوف رقيقة.دون أن تبالي باللوائح والإشارات مستمتعا بحريتك دون أن تضايق أحداً"،فالأحلام هي مصدر أمان ومكان لإطلاق العنان لكل ما يمت للحياة،وهي تفتح أبواب الممكن وتغلق أبواب المستحيل...

وفي نهاية المسابقة الأدبية تعاملت لجنة التحكيم مع الصغار دون محاباة وطبقت الشروط المنصوص والمتفق عليها،وبينت للأطفال كل ذلك وقدرت جهود كل من شارك بأسلوب ليس فيها تعالي على الصغار وأيضاً ليس فيه تقليل من أهمية كتابات الأطفال وبالطبع الأطفال أنفسهم،وطرق قلبي وأيضاً عقلي سؤال وأنا أرصد أسلوب هذه اللجنة مع الصغار :هل في بلداننا أحلام صغارنا مرضي عنها ؟ و صاحب هذا السؤال سؤال آخر :هل نقول لفظ "حلم" بإعتداد أم بسخرية؟!

كتاب (ليس كل الأحلام قصائد) لأطفال هولنديين وترجمه عبدالرحمن الماجدي،إتفق فيه الأطفال بمختلف أصولهم ومشاربهم ودياناتهم وأيضاً أراء ذويهم على حلم إيقاف الحروب،فمتى نتفق نحن على ذلك؟!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق