نيكروفيليا > مراجعات رواية نيكروفيليا > مراجعة Hind Haitham

نيكروفيليا - شيرين هنائي
تحميل الكتاب

نيكروفيليا

تأليف (تأليف) 3.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

(في هذه المراجعة حرقٌ للكثير من أحداث الرواية ولنهايتها)

ثمة الكثير من المشاكل الفنية والفكرية في الرواية، وجميع هذه المشاكل تنبع - في تقديري الشخصي - من تناقض عقلاني مركزي في الرواية بين ما تدعو إليه المؤلفة في مقدمتها من التعاطف مع جميع أنواع الشخصيات والمخلوقات في الكون حتى تلك التي تثير النفور في النفوس وإدراك العمق الشاسع للنفس البشرية، وبين ما تعرضه الرواية من شخصيات مسطحة ولغةٍ أحادية سلطوية لا مكان فيها للمساحات الرمادية أو لدفع حدود العالم المعروف واستكشاف ما وراءه.

كل الرواية مكتوبة بأسلوب أحمد خالد توفيق، بحيث لو لم يكن اسم المؤلفة مكتوباً على الغلاف، ومن دون المقدمة والإهداء، لكان من الممكن الاعتقاد بأنّه كتبها. ثمة تعبيرات منسوخة منه حرفاً، من ضمنها ثنائية أنثى/رجل (وهنا تناقض في هذه الثنائية بين نوع "أنثى" الذي هو نوعٌ بيولوجي، مقابل رجل التي هي صفة محددة لذكر الإنسان البالغ العاقل المُدرك). وأوصافٍ عجيبة مثل "رائحة ذكورية"، بالإضافة إلى قولبة الشخصيات وفق نماذج مسبقة، والاعتماد على التوصيفات العلمية أو النفسية لفرض السلطة المعرفية على القارئ، والأشعار الركيكة التي تُشبه أشعار رفعت إسماعيل الركيكة التي كان يكتبها لحبه الأول.

أسماء الشخصيات كانت ذات دلالات واضحة، بحيث تفرض على القارئ فرضاً المغزى منها. اسم جاسر بدا غريباً جداً في بيئة مصرية بالكامل، غير أنّه يُمكِن تبريره بسفر أسرته إلى الخليج، ولو أنّ النص لا يُتيح أي مسافة للشخصيات لتنمو مع أسمائها، أو للأسماء لتنمو عضوياً من بيئة الشخصيات، ويحول الشخصيات إلى مجموعة صفات حُمِلَت اسماً ما، وهذا الاسم يتناقض أحياناً مع صفات الشخصية (جُبن جاسر، وعدم قدرة والد منسية على نسيانها).

في رواية يُفترض بها أن تغوص في أماكِن شائكة من النفس البشرية، فإن تصنيفاتها واضحة ومُحددة لما هو ذكوري وما هو أنثوي. ورغم أنها تحاول نقض الأفكار الشائعة في علم النفس حول كون النكروفيليا مرضاً يصيب الذكور أكثر من الإناث، إلا أنها لا تحاول دفع حواجز اللغة والأفكار والمنطلقات المعرفية بخصوص الذكورة والأنوثة النفسية. إذا كانت منسية "أنثى"، فإنّه يُفترض بها أن يكون لها التكوين النفسي الذي يتوقعه المُجتمع الذي يُعبر عنه رفعت إسماعيل منها، بغض النظر عن النيكروفيليا التي تفترض تكويناً نفسياً مختلفاً. خصوصاً وأن الرواية لا تكشف وجود نساء أو رجال آخرين في حياة منسية، سواء في سنها أو قريباً منه أو أكثر. هناك زوجة أبيها السوقية التي تسيء معاملتها، وأبوها الذي لا ملامح محددة لشخصيته، بحيث يصير مثل كومةٍ يجري تحريكها من مكان إلى آخر: اضرب منسية. يضرب منسية. خذ منسية إلى المستشفى. يأخذ منسية إلى المستشفى. ثم جرى التخلص منه ببساطة. الأب شخصية مُهدرة، خليلة شخصية مهدرة، وحتى فتنة، "صديقة" منسية، شخصية مهدرة في السرد. وهذا تبذير شديد لا تتحمله رواية فيها سبع شخصيات ناطقة، اثنتان منها رئيسيتان وواحدة جانبية والباقية هامشية.

ثم نأتي إلى طيش وحماقة وقلة تبصر جاسر، الذي يستغرب المرء كيف لم يرسب في اختباراته للحصول على رخصة الطبيب النفسي، وكيف يُسمح له بمواصلة دراساته العُليا وهو يجهل أبسط مبادئ الأخلاقيات العامة - ناهيك عن العلمية - كما أنّه يفشل في إدراك أن المريضة أو المريض النفسي يكون علاقة معقدة مع معالجة يصير فيها المعالج النفسي بمثابة الحبيب، والأب، والسُلطة العُليا، وتُسقط عليه احتياجات المريض العاطفية ومشاكله النفسية. لقد كان يعرف بإصابة منسية بالنكروفيليا، وتركها لشأنها، فيما أي معالج نبيه سيعرف أنّه في خطر داهم، وسيحاول معالجتها. إن لم يستطع هو، فكان بإمكانه بسهولة تسليمها إلى مصح نفسي وتلفيق أي كذبة. خطيبة جاسر جاءت مجرد ديكور لتكميل شخصيته، فأي شخصية ناجحة في الروايات الجديدة هي شخصية الشاب الثري من الطبقة المتوسطة العُليا إلى العُليا مِمَن لهم مستقبلٌ علمي/فني/أدبي لامع وخطيبات جميلات وحنونات يُحببنهم. المُلاحظة حول رجاحة عقل الخطيبة ينفيها تماماً ارتباطها بشخصية غير سوية مثل جاسر وعدم إنكارها عليه خطفه واحتجازه لقاصر، وعدم تدخلها لمحاولة حل الأزمة - على فرض أن حبها لجاسر يُعميها عن التداعيات الأخلاقية لفعلته.

ثم تنتقل الأحداث من منسية الطفلة إلى منسية المراهقة في بدايات الشباب من دون انتقالٍ حقيقي لا في اللغة ولا في الشعور، وقصائد منسية غير مبررة، فالنص أصلاً لم يكشف أي ميولٍ عند منسية للكتابة، وشخصية من بيئة منسية وظروفها النفسية والمادية لن تلجأ للكتابة بوصفها متنفساً طبيعياً. كانت الرواية تحتاج إلى تمهيد مناسب، ورسمٍ واضح لشخصية منسية وتطورها من أجل تبرير هذه النقلة المفاجئة، ومن أجل تبرير قرار منسية قتل جاسر ثم الانتحار. لماذا انتحرت منسية؟ لا يوجد مبرر للسرد لانتحار منسية! منسية شخصية نكروفيلية كاملة - كما يُفترض - وقت الحدث، والمفروض أن قتل جاسر يمثل بالنسبة لها ذروة التحول النكروفيلي، خصوصاً مع ميلها للجثث المشوهة والجروح البشعة. فلماذا هذه "اللمسة الأنثوية" من الانتحار لأنّه مات ولم يعد يستطيع تقبلها، بينما المفروض أنّه قد صار "ماستربيس" منسية؟ من جديد، نعود للتناقض العقلاني المركزي في الرواية بين الرغبة في سبر الأغوار العميقة للنفس البشرية، وفي الوقت نفسه فرض التوقعات المجتمعية لشريحة محددة من المجتمع عليها. كتابة الأفندية عن العشوائيات والبيئات المحرومة، التي تعامل الشخصيات من هذه المناطق لا بوصفها وحدات عضوية ترتبط كُلياً ببيئاتها وتراكيبها النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بل بوصفها نماذج مسبقة يصبها الكاتب (الكاتبة في حالتنا) في قوالب مُحددة بناء على التركيب الاجتماعي والنفسي للمجتمع الذي يتماهى معه، لا المجتمع الذي يكتب عنه.

ثم كان غموض شديد في انحراف فتنة. لدى فتنة نشاط وسهولة في ممارسة النشاطات المنحرفة وفي البيع والشراء والسرقة والقتل، مما يوحي بأن لديها ميولاً سايكوباثية، لكن كل هذه مجرد إشارات عابرة هنا وهناك. فتنة مثل والد منسية، تسد الأشياء الناقصة في السرد. هناك حاجة لشخصية منحرفة أخرى تتقاسم انحرافها مع منسية، فتنة جاهزة، ثمة حاجة إلى شريكة في جريمة القتل، فتنة جاهزة، ثمة حاجة إلى شريكة في نشاطات الغيلان، فتنة جاهزة. لا داعي لتطوير شخصية فتنة، ولا داعي لتطوير شخصية الأب.

في النهاية، الرواية فيها كل عيوب العمل الأول، مضافاً إليها انعدام الهمّة الفكرية لسبر مناطق شائكة وغامضة وشائنة في النفس البشرية مع أنّ الرواية هي التي رسمت لنفسها هذا الطموح. بحيث لا تحدث نكروفيليا منسية أي فرقٍ حقيقي في الرواية. ماذا لو كانت سايكوباثية؟ ماذا لو كانت أنوراكسية فحسب - والمفروض أن استقباح الذات المصاحب للأنوراكسيا قد أسهم في تطور نكروفيليا منسية، مع ما في هذا التفسير من تهافت. كانت ستقتل جاسر وتنتحر، وستتحالف مع فتنة بعد وفاة الأب. النكروفيليا لا تلعب أي دورٍ هامٍ في السرد، ولا تبدو غير حيلةٍ لجذب الانتباه وزيادة المبيعات من دون أي منجز سردي أو فكري حقيقي وراءها.

Facebook Twitter Link .
5 يوافقون
8 تعليقات