الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند > مراجعات كتاب الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند > مراجعة أحمد المغازي

الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند - إشمائيل بيه, سحر توفيق
أبلغوني عند توفره

الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.6
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هذا كتاب عن الطفولة الضائعة و الآدمية المنتهكة فى دول أفريقيا الملعونة بنكبة الحروب الأهليه، أحداث الكتاب تدور فى سيراليون فى التسعينيات من القرن الماضى، فى فترة مراهقة الراوى التى يحكى لنا سيرته الذاتية ممتزجة مع سيرة بلاده فى تلك المرحلة العصيبة من تاريخها و تاريخه.

بنقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام كل منها حوالى مئة صفحة تقريبا، الجزء الأول عن حياة البطل إشمائيل مع أسرته الفقيرة فى قريته الوادعة ، و التى لا تخلو من المسرات رغم شظف الحياة و بدائيتها الشديدة، إلا أن هذا لا يمنع الفتى المراهق من الإسمتاع بموسيقى الراب و الحلم بتكوين فرقته الخاصة مع أصدقاء الدراسة، قبل أن تدرك الحرب الأهلية قريته و تفرقه عن عائلته التى لا يعرف مصيرها، لينطلق هو و مجموعة أصدقائه فى الأحراش هربا من المتمردين، فى رحلة قاسية يقتربون فيها من الموت جوعا و تعبا، و يحاصرهم فيها الشك و سوء الظن من أهالى القرى التى يمرون بها خوفا من أن يكونوا طليعة للمتمردين.

الجزء الثانى يبدأ بوقوع البطل –وهو فى الثالثة عشر من عمره- و أصدقائه فى يد وحدة من الجيش السيراليونى و تجنيدهم فيها ليصيروا "أطفالا جنودا"، ليتضح أن الجيش النظامي هناك لا يختلف فى وحشية ممارساته و لا أخلاقيتها عن المتمردين الذين يقاتلهم، و الأطفال هم أول ضحايا هذا الصراع بعدما أتت الحرب على البالغين و الجنود المحترفين الذين صاروا عملة نادرة، و بات الأطفال هم البديل الذى يلجأ إليه كلا الطرفين وقودا لحربه القذرة التى تعجز عن تبييض صفحتها كل شعارات العالم!

يتطرق هذا الجزء لتفاصيل تجنيد الأطفال و القضاء على برائتهم، و تحويلهم تدريجيا إلى وحوش آدمية تتغذى على الدم، سعيا للإنتقام من المتمردين الذين قتلوا عائلاتهم و شردوهم من بيوتهم، و تماهيا مع مثلهم العليا الجديدة كرامبو و رفاقه من أبطال أفلام الأكشن و الحروب التى أدمنوا على مشاهدتها فى معسكراتهم مع مزيج مدمر من المخدرات لإبقائهم دوما فى حالة من غياب الوعي و الإحساس و الضمير، و نرى كيف يتحول بطلنا من صبي مسالم لقاتل بدم بارد يرتكب أعتى المجازر دون أن يطرف له جفن، باحثا عن ثأره بعدما تيقن من مقتل عائلته بأكملها على يد المتمردين.

و يأتي الجزء الأخير بإنتشال إشمائيل –وهو فى حوالى السادسة عشر من عمره- من أتون الحرب مع مجموعة محظوظة من رفاقه على يد منظمة تابعة للأمم المتحدة فى صفقة مع قائد كتيبتهم نظير دفعة من المساعدات، و نقلهم إلى العاصمة لإخضاعهم لبرنامج لإعادة التأهيل على غير رغبتهم، حيث يقاومون بعناد فى البداية بعدما إستمرؤا هذا النمط من العيش و صار كونهم جنودا هو هويتهم الوحيدة فى الحياة، و تكون بداية العلاج مساعدتهم فى الإقلاع عن المخدرات التى أدمنوها و هي مرحلة صعبة و خاصة أنهم كانوا يحاولون التحايل على العلاج بشتى الطرق، ثم كانت المرحلة التالية هي العلاج النفسي لإستعادة إنسانيتهم المفقودة و كانت هذه هي المرحلة الأقسى على بطلنا بعدما زال تأثير المخدرات التي كانت تغيب عقله ليبدأ فى إدراك حجم الفظائع التى إرتكبها، و تطارده الدماء التى أراقها فى صحوه و منامه، و كانت الممرضة إستر هى المعين الأكبر له لتجاوز هذه المرحلة رغم صعوبتها، و بعد إكتمال تأهيله تأتى مرحلة لم شمله مع عمه و أسرته الذين لم يراهم من قبل أو يعرف بوجودهم أصلا، ليحتضنوه بينهم و يعتبرونه فردا منهم، ثم تأتى له الفرصة للسفر للأمم المتحدة لعرض قضيته لتكون نقطة التحول التى تغير مصيره حيث تفتح له الباب بعد ذلك للهجرة ليصير ما هو عليه اليوم.

فى آخر فصل يستعرض الكاتب تاريخ الحرب الأهلية فى سيراليون و تطوراتها من البداية حتى تاريخ الكتابة، آملا أن تتحول هذه الحقبة الدموية إلى ماض يستخلص منه العبر التى تمنع تكرارها مرة أخرى.

فى الختام يوجه الكاتب شكره لكل من مد له يد العون فى رحلته حتى صار خبيرا فى الأمم المتحدة و كاتبا و إنسانا ناجحا.

الكتاب مؤلم و صادم و كاشف لتجربة إنسانية فى غاية القسوة خاصة أنها تأتى مكتوبة بيد صاحبها نفسه الذى أنقذه القدر من مصير مظلم، فى فرصة لم تتح للكثير من أقرانه الذين كتب عليهم الإستمرار فى طريق الدم لنهايته إما بالقتل أو التشويه الجسدى أو النفسى الدائم الذى لا شفاء له.

تبقى نقطة التقييم و لماذا الإكتفاء بالأربع نجوم و خصم الخامسة و هى للأسباب التالية:

-أسلوب الكتاب غير أدبي، و كان لدي طوال الوقت إحساس بأن هذه الأحداث شديدة الدرامية يمكن صياغنها بأسلوب أكثر تأثيرا، و إن كان هذا لا يعيب الكاتب كونه ليس أديبا فى الأساس، و لكنه قلل من إستمتاعى بالكتاب بعض الشىء.

-تستمد كتابة السيرة الذاتية قوتها بالأساس من صدقها، و رغم ذكر الكاتب للكثير من الفظائع التى تورط فيها فى هذه الفترة من حياته، إلا أنه خلف لدي إنطباعا بأنه لم يقل كل الحقيقة، ذلك أنه إستطرد فى تفاصيل عملية تجنيد المراهقين، بما فيها من تعويدهم على إدمان المخدرات و أفلام العنف، إلا أنه أغفل تماما جزئية العامل الجنسي سواء فى إطار عملية التجنيد و جذب المراهقين، أو فى أثناء عمليات الإعتداء على القرى الموالية للمتمردين التى ذكر فيها تفاصيل القتل و التخريب بالتفصيل، رغم أنه كان قد ذكر عرضا عمليات الإغتصاب التى كان يقوم بها المتمردين فى هجومهم على القرى، و المنطق يقول بأن هذه العمليات من المؤكد أنها كانت متبادلة من الطرفين، و من قرأ أو شاهد أى شىء عن الحروب الأهلية فى هذه المنطقة المنكوبة من العالم لابد أن يعلم بأن الإغتصاب يعد سلاحا ممنهجا فيها يستخدم لبسط النفوذ و كسر إرادة الخصوم، كما أن صبية فى هذه المرحلة العمرية بلا أى نوع من الوازع الخلقي أو الديني يستبعد أن يكونوا مترفعين هذه الأمر، و أن لا يستخدم هذا من قبل قادتهم معدومى الإنسانية كعامل جذب لهم.

قناعتى هى أن الكاتب قام بعملية مونتاج لهذه الجزئية من الأحداث لعلمه بما سيكون لها أثر سلبي فى تقييم القارىء له الآن –وقد يكون محقا- ألا أن هذا قلل من مصداقية الكتاب كوثيقة تاريخية بعض الشيء فى نظرى.

-عدم وجود أي دور للدين –المفترض أن الكاتب مسلم- فى أى مرحلة من مراحل حياة البطل، سواء قبل الإنخراط فى الحرب أو أثنائها أو بعدها، رغم أننى أرى أنه كان من المفترض أن يلعب دورا فى عملية إعادة تأهيله على الأقل، لا أدرى على من تقع مسئولية هذا الأمر، لكنها بقيت نقطة سلبية بالنسبة لى.

-نقطة أثارت إستغرابى كثيرا و هى أن الكاتب فى خاتمته التى شكر فيها كل أصحاب الفضل عليه، تجاهل تماما الممرضة إستر التى أرى أن دورها كان الأهم فى تغيير مسار حياته البائس على صعوبة هذه المهمة، و فى المقابل وجدت إهتماما شديدا بكل الأصدقاء الغربيين الذين ساعدوه فى حياته الجدبدة، ربما تكون نقطة بسيطة لكنها تركت لدي إنطباعا غير محبب عن الكاتب.

هذه هى كل المآخذ لى على هذا الكتاب، و التى لا تقلل بحال من أهميته و إستحقاقه للقراءة و إستخلاص العبر منه بالتأكيد، عسى الله أن يجنب بلادنا كلها الحرب الأهلية و شرورها وماقرب إليها من قول أو عمل، اللهم آمين.

Facebook Twitter Link .
7 يوافقون
5 تعليقات