ساق البامبو > مراجعات رواية ساق البامبو > مراجعة أمل لذيذ

ساق البامبو - سعود السنعوسي
أبلغوني عند توفره

ساق البامبو

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

رواية (ساق البامبو) للأديب سعود السنعوسي،هي تروي حكاية تتحدى العناصر الثلاث التالية:الزمان والمكان والسكان،ففيها يلقي الماضي بظله على الحاضر،وفيها نستمع لوجهات الحضارات المختلفة حول المواضيع نفسها،وفيها نستمع أيضا لسكان أمكنة الرواية ونرى ما خلفه الوقت في حياتهم و ما رسمه المكان على ملامحهم،هنا نعرف عن الفلبين أكثر و عن الكويت أكثر،هنا تتلاقى نظرات المواطن ونظرات الغريب،ونظرات الساكن ونظرات المبتعد،وهذه النظرات صممت خارطة من الآراء والمشاعر التي تتوافق أحيانا و تختلف أحيانا أخرى،فهذه الخارطة وإن لم تتضمن خطوط الطول ودوائر العرض ولكنها تحوي على تحديد مصائر و معلومات منها المذكورة في الكتب والمراجع و منها المكتومة في نفوس الناس،والعناصر الثلاث تنقل لنا معالم البلدان الجغرافية والتاريخية والثقافية والوطنية وبشكل متماهي في الصراحة الإنسانية...

فبالنسبة للزمان،الرواية فيها زخم بأحداث تاريخية تمت بالفعل،وهي أحداث غيرت مجرى التاريخ في الفلبين و في الكويت أيضا،وإستمر هذا التأثير للوقت الحالي،فهناك الثورات التي حدثت في الفلبين وبطلها خوسيه ريزال الذي يحمل بطل الرواية إسمه أيضا،و في الكويت هنالك حادثة إختطاف طائرة الجابرية و الغزو و وفاة أمير القلوب الشيخ جابر،وإمتزجت هذه التواريخ الهامة مع الوقائع الرئيسة التي صارت للبطل هوزيه أو خوسيه ،وهذا التزامن العجيب يولد مواقف تختلط فيها دموع تنطق بأحاسيس عجزت الأفواه عن نقلها،وسيلان الدموع يغرق شخوص الرواية بالذكريات،فهنا الوقت يعطي دروسا من الماضي ويحرك خباياه بالدموع ،ومن ثم يفتح الأجفان لتبصر آثار البكاء في الحاضر.

وعن المكان،تفصل مسافات بعيدة وساعات طويلة من السفر بين الفلبين و الكويت،ومع ذلك فتم التعارف بين خادمة فلبينية كادحة ومتيمة بالكتب و بين روائي كويتي مثقف وباحث عن الذات،جوزافين أتت للكويت من أجل أن تبتعد عن فرص عيش غير كريمة عرضت عليها ومن أجل أن تصرف على عائلتها مع الإحتفاظ بكرامتها،وراشد الابن الوحيد للعائلة الموسرة والمعروفة أراد الإرتباط بفتاة في الجامعة رفضتها أمه بمجرد سماعها لإسم العائلة،مسافات مجتمعية كبيرة كانت تفصل بين الطرفين،فجوزافين كانت تنادي راشد "سيدي" وهو كان في معاملتها الطيبة لها يبدو غريبا في عائلته،هو كان يحكي لها عن رواية له لم يكملها وهي كانت تنصت له،فظنا بأن المسافات قصرت،هو كان يكلمها عن الوطنية والسياسة فصارت تبادله الكلام،فإستمر ظنهما بقصر المسافات،وهذا الظن دفع راشد إلى الإرتباط بجوزافين بالزواج مع إبقاء هذا الإرتباط سرا،وعندما أثمر هذا الزواج عن عيسى إزدادت المسافات في البعد وإتسحت مساحات الفراق،فصار إحتمال اللقاء بينهما هو أبعد من المسافة بين مانيلا والكويت.

وبخصوص السكان ،من رسائل أبيه لآمه التي بين يديه يستكشف عيسى عالمه،هو عاش في صغره في الفلبين في وسط طبيعتها وسيقان البامبو،هذه السيقان التي لطالما ذكرته بنفسه،هو كان يحس بالهون والضعف مثل هذه السيقان وأيضا بالغربة،هو حاول التأقلم مع فكرة العيش في الفقر ولكن أمل أمه بعودته للكويت وحصوله على رغد العيش فيها كان يشاغب أيامه،هي كان تربيه وهي تزرع في عقله بإنه سيعود للكويت في يوما ما،وبالرغم من تعميدها له إلا أنها كانت تتصور بإنه سيصبح مسلما كما كان والده،فصار عيسى أو هوسيه حائرا ،هو يملك أكثر من إسم،ويحمل حلمه وحلم أمه وحلم التغيير،هو كان يأمل في أن يجد تلك الأحلام في الكويت،كان يشعر بإنه مختلف عن الأطفال من حوله وهو صغير ،فصحيح ان ملامحه فلبينية ولكنه كان ينسب للعرب،تم تلقيبه بذلك مع إن ظاهرة أبناء الفلبينيات من آباء من غير الفلبين هي ظاهرة منتشرة في الفلبين،كان يرغب كثيرا في أن يتعرف على الكويت وأهلها،وكان يستنشق الفرص التي تقربه من ذلك،فبعد عمله في التدليك وبيع الموز إلتقى بشباب من الكويت وتحاور معهم ،وحينما جاءت الفرصة المنشودة وإصطحبه صديق والده إلى الكويت،تفاقمت غربته وتضاعفت حيرته وإزدادت التناقضات أمامه،فقدميه حطت في الكويت وهو يملك الأوراق الثبوتية التي تؤكد بإنه كويتي،ومع ذلك فهو وجد نفسه في أزمة نفسية أكبر من التي كان فيها في الفلبين،ففي الفلبين مرد الكثير من أزمات الناس تعود للفقر ،فخالته سلكت سبيلا لا ترتضيه وبتدبير من جده وجدته لنيل المال،وتوفي الجد لينكشف السر العائلي بإنه كان مجهول النسب وبأن المرأة الكبيرة في السن التي كان يعتني بها كانت أمه،أما إبنة خالته ميرلا والحبيبة التي هام بها فهي عاشت صراع الجهل بنسبها كما جدها و بحالة من الإكتئاب كوالدتها،فضيق العيش هو ما يدفع بالناس في الفلبين إلى الإختناق العاطفي والنفسي والمجتمعي،فيقارن عيسى الحال في الفلبين بالحال في الكويت التي تتمحور فيها حياة الكثير من الناس حول عادات وتقاليد مخالفة للدين ومع ذلك فهي مطبقة،وليس من السهل التملص منها،هناك المكانة الإجتماعية التي يقلق الكثيرون من أن تشوبها الأقاويل،وهناك النظرات الدونية التي يقرها البعض لمن هم أقل منهم ماديا أو لمن ينتمون لمجتمعات أخرى،وهناك من هم في وضع أكثر تخبطا من عيسى من ناحية الإنتماء الوطني والقومي،فعلم عيسى بقضية البدون الذين يعانون كثيرا،فهم ولدوا في الكويت وعاشوا وتعلموا وعملوا فيها ومنهم من شارك في الدفاع عنها أيام الغزو كحال غسان صديق والده،ومع كل ذلك فهم لم يحصلوا على الجنسية الكويتية ،وكون راشد والد عيسى شهيدا في الغزو هو مصدر فخر و رفعة في قلب عيسى وفي قلب المجتمع فهو أمر رفع نسبة المسؤولية الملقاة على عاتق عائلة عيسى وراشد ،وإذا بخولة أخت عيسى لأبيه من بعد مطالعتها الكثيرة لرواية والدها تطلب من أخيها عيسى ان يحذو حذو والده،وأن يتحلى بالجرأة ذاتها،تلك الجرأة التي فيها حزن وقهر و وجع وحرقة و إلغاء المجاملات أن يكتب عن الكويت،الكويت التي تخيلها،الكويت التي رآها،الكويت التي عاش فيها،الكويت التي غادرها ولكن لم تغادره،فالكويت ظلت مع عيسى وهو يتابع مبارايات كرة القدم وكذلك وهو ينادي ابنه راشد...وهناك أبطال حقيقيون منهم هوزيه ميندوزا وهو بطل قومي في الفلبين وأديب معروف خلدت أعماله وأقواله وكان هناك نظير له وهو الأديب الكويتي الكبير والمناضل بقلمه وفكره وهو إسماعيل فهد إسماعيل و زملاؤه ممن كافحوا أيام الغزو و تم ذكر أسماء بعضهم مثل فايق عبدالجليل وعبدالله الراشد على سبيل الوفاء والتقدير في الرواية...

رواية (ساق البامبو) للأديب سعود السنعوسي،فيها أب لم يستطع أن يربي ابنه في كنفه حرصا على مشاعر أمه،وعمات تنكرن لابن أخيهن خوفا من نظرات المجتمع،وأختا حارات في أخوتها حتى لا يغضب منها الناس،وجدة إشتهت أن تضم حفيدها الذي كان يحبها ويحترمها ويحاول أن ينال رضاها حتى بتدليك ركبتيها ولكنها منعت نفسها من قربه،الجدة منعت نفسها من ضمه وهي تبكي لتشابه صوته مع صوت والده ،وذلك المنع تم لسد شفاة الناس عن الكلام عنها وعن عائلتها،وفيها شاب كويتي إصطف في طابور مواطنيه في المطار وهو عائد لبلده للمرة الأولى فينهره الموظف ويجحفه حقه،كل هذه الغصات والتنهدات خطتها يد راشد الأب ليكملها عيسى الابن !

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
4 تعليقات