النباهة والاستحمار > مراجعات كتاب النباهة والاستحمار > مراجعة أحمد قطليش

النباهة والاستحمار - علي شريعتي
أبلغوني عند توفره

النباهة والاستحمار

تأليف (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

يبدأ الكاتب علي شريعتي هذا المحاضرة التي جمعت بكتاب بشّد أذهان الناس لما سيطرحه وذلكَ من خلال تحجيم قدرة عقول جميع شرائح المجتمع من العالِمِ إلى الأُمّي والتضعيف من قدرتها على الإحاطة المجردّة بالأمور.

غير أنّ الكتاب الذي تضمّن رؤية معمّقة للواقع تستدعي الانتباه الشديد عالج طرحاته بتعميمٍ يتناقض مع مطالبته بتوخي الدقة بما سيأتي في الكتاب، والمطالبة بالعودة إلى انسانية هلامية لم يوضحها اختلطت فيها الرؤية ما بين نبذ العديد من العلوم التي ذكر أمثلةً عليها والمطالبة بالتخصص في علوم لم يأتِ بمثالٍ واحدٍ عنها. مقحماً قصص التراث التي جيّر معناها لما يريده كقصة آدم والتفاحة التي أراد منها أن يبين عظمة الإنسان بقوله "لا"، بيد أنّ القصة تحتمل خضوع الإنسانِ للنزوةِ والشهوة التي كان يهاجمها ويكشفها بقدرة كبيرة . وبعيداً عن القصص التراثية كان يأتي بقصصٍ اسطوريةٍ فيها من البُعد عن الواقع والتحليلات المنطقية ليستدل بها على طروحاته.

"العلم في معركة مع الفكر" هكذا يرى الكاتب أنّ المجتمعات المتأخرة صناعياً وعلمياً قادرة على هزيمة تلك التي استعمرتها إما عسكرياً سابقاً، أو علمياً وثقافياً كما في الوقت الحالي. ولم يذكر الكاتب كيف ستكون هذه الهزيمة لهم! إلا أنه استغرق في تحليل الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد المغلوب على أمرها، وحالة "الاستعراض" و"الاستهلاك" عند سكان هذه البلاد.

"الاستعراض" بمعنى تحول الإنسان إلى "متفرج" قارئ للأعمال الروائية التي تتحدث عن البطولات التي لا يشارك فيها أو متابعاً للألعاب الرياضية التي تشبع شعوره بالحياة ولا يشارك فيها. هذه الحياة الخاوية المتمثلة برؤية الممثلين على المسارح أو الشاشات يفعلون ما يريده المتفرج أن يفعل ولا يفعل. إذ يتحول سوط الغرب الذي كان خارجياً ظاهرا باستعماره وأغراضه الجلية ، إلى سوطٍ داخليٍ نجلد نحن فيه ذواتنا ونقوم بفعلِ ذلك ونحن نشعر باللذّة.

أما "الاستهلاك" فقد اجتاح حيواتنا فأصبح الوقت عند الانسان مقسماً بين ركضٍ جنونيٍ عند الناس ليضيعوا قسم الوقت الآخر بالركض وراء متع جوفاء لا تحمل أي حياة إلا أنها تشبع الانسان شهوانياً من حيث الاغترار بشراء ماركات معينة واتباع الموضة المستوردة ومحاولة تملك كل ما يحدث ضجة اجتماعية ولا يزيد الروح الانسانية أي اتساع بل يجعلها تنكمش وتنكمش إلى أن يفقد الشعور بها. حتى فيما يخص الروح من الفنون والآداب أصبحت استهلاكية بحيث أنّ ما يروج له وينتشر بين الناس ليس إلا كلّ فنٍ يسّخف الحياة ويزيد من حيوانية الإنسان.

وقد أخذ الكاتب العباسيين مثالا على صعود الآداب الفنون والعلوم والترجمات وارتباط هذا كله بضعف النباهة الاجتماعية والفردية تناولٌ لا يخلو من التطرف في الأمثلة التي وضعها عن عمر بن الخطاب والعباسيين ليختصر ليجمع مع مشاكل كل عصرٍ كل خيراته فتصبح مساوئ أيضاً ليصبح التطور العلمي والفلسفي والثقافي سبباً في ذهاب نباهة الفرد والمجتمع واستسهال استحمارهم.

وتظهر رؤية الكاتب إلى أنّ الانسان أنه أرقى المخلوقات البشرية لا تكون إلا بالدين الذي هو فوق العلم. هكذا يخرج الكاتب ظاهرياً من التناقضات التي يضعها ما بين رفضه لمجتمعاتٍ غرقت بالاستهلاكية والبلاهة. ومجتمعاتٍ علمية صناعية تطورت لديها الفنون والفلسفة.

الدين الذي لا يراه الكاتب دين التقاليد المتوارثة والذي يتجاوز العلم والفلسفة والصنعة. الدين الذي لم يبينه الكاتب في ما عرضه إلا أنه فصّل في القروح التي أصابت الشعوب من مستعمريها أو مستحمريها، ويناقض الكاتب ذاته في أنه لا يريد دين التقاليد حين ينتقد بشدة وجود وسائل النقل التي تنقل الناس مختلطين!

يبني الكاتب رؤيته في فضاء غير متجانس وغير مبني على معطيات وأسس ويطلب من القارئ أن يؤمن به! وهو الذي قال في ذات الكتاب "لابدّ من مقياسٍ للتطبيق"!

فالكاتب يحاول أن يخرج من عباءة الطقوس الدينية السطحية ومن كل معطيات الواقع ليغوّر في النفس البشرية المتهالكة قبل الثورة الإيرانية، وأن يبني مدينة أفلاطونية تسحر القارئ الذي تفتحت أمامه الكثير من الجروح التي هي فيه أصلاً ويمتلء بغضاً وكراهية على مستحمريه ليثورَ على نفسه وفي مجتمعه! فالقارئ لن يعود ليركب الجمّال بدلاً من وسائل المواصلات التي انتقد الكاتب وجودها وقد سافر بها ليدرس في فرنسا التي رفض علمها ولبس البدلة وقد استهزء بالدول التي باتت تتبع أذواق البلاد المتقدمة في كلّ شيء .

استطاع شريعتي أن يثير نباهة الانسان للكثير من مشاكله وإن قام بتضخيمها إضافة إلى تهويلِ الاستحمار الذي تمارسه الدول العظمى على الدول. إلا أنه ذكر الكثير من حقائق هذا الاستحمار الذي تطول لدرجة أصبح الانسان الذكي الذي سحبه إليه ودجنه واستفاد من طاقاته أعاده إلى بلده ليقوم بنفسه بترسيخ هذا الاستحمار في الشعب وبدون أي مقابل. وتطور هذا النوع من الاستحمار "بذكاء" ليصل إلى تقبل طقوس الناس الاعتيادية التي تخالفه وذلك في سبيل تدمير ما هو أعمق داخله.

"عندما يشب حريق في بيت ويدعوك أحدٌ إلى الصلاة ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الإستحمار وإن كان عملا مقدسا"

أما المرأة فلم يكن لها نصيبٌ من الكاتب إلا جمل قصار مرتبكة عامّة! مستصغراً قضيتها أمام القضايا العامة، ولأنّ الغرب استخدم قضية المرأة لأغراضٍ أخرى، أضاء الكاتب على هذه الأغراض ولم يتناول عدالة حقوق المرأة التي ينبغي أن يطالب بها هو قبل غيره في محاضرة كانت تحاول نفض الخمول عن الناس المستحمرين! وكأنّ الكاتب أرادهم أن يبقوا مستحمرين من ناحية المرأة.

الكتاب أو المحاضرة لم تقدم لتكون منهاجاً علمياً يُدرس أو تؤخذ منه نظرية للثورة كانت أم لاتسعادة الانسان والمجتمع النبيهين، هذا الكتاب ما كان إلا محاضرةً ألقيت في حسينية كان الدافع منها صعقَ الناس من السبات الذي كانوا فيه ليثوروا على ذواتهم ثم ظالميهم. وهذه المحاضرة كما انها لم تكن على أسسٍ واضحة أو تجانسٍ بائن، إلا أنها كانت من عقلٍ ذكيٍ استطاع ان يلعب لعبة المستحمرين. وذلك بأن يكشف للناس ما يعرفونه في عمق ذواتهم من ضعفٍ وشهوانيةٍ وما إلى ذلك، بل وأن يهول في هذه الأمور ليستطيع بعد أن يفتح أرواحهم أن يرسخ فيها فكره الذي يريد لا أن يدع لهم حرية البحث. كأن يتكلم عن الحرية أنها تقف عائقاً في وجه النباهة الجتماعية ولم يرها دافعاً إلى النباهة الفردية .

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق