الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة > مراجعات كتاب الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة > مراجعة أمل لذيذ

الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة - تبيت فرون
أبلغوني عند توفره

الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة

تأليف (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

لدي ذاكرة تعشق رائحة الكتب وحتى القديمة منها،وأشعر بالسعادة إذا صدق إحساسي فوافقت الرائحة التي في ذاكرتي أغلفة الكتب المعروضة أمامي،وأظل أتصفح وأمرر أناملي أحيانا ببطء التخيل وأحيانا بعجلة اللهفة وأنا أقلب صفحاتها ،وتلك الرائحة تنقلها ذاكرتي من ماضٍ عشته لحاضر أحياه،وهناك روائح تذيقني طعم الحياة كما أحب أن أشعر بها،فرائحة الخبز وهو خارج للتو من الفرن،ورائحة الجريدة التي ولدت من المطبعة حديثا،ورائحة القهوة الساخنة التي تدفء اليوم بالنشاط،هي روائح تنادي بقدوم يوم جديد وبحلول فرص أحلام محققة مقبلة،وهناك روائح يزفها لنا المستقبل وكأنها جنين ينمو تدريجيا،ومنها رائحة المطر فور ملامسته للأرض ساعيا لإحياء آمال نقية،ورائحة بقايا عطر في زجاجة قديمة تبحث عن رذاذ قادم،ورائحة رضيع غطاه أهله بأطيب الأماني،إن هذه الروائح بتعددها في المكونات وفي أزمنتها تشدني كثيرا!

ومن هذا المنطلق قمت بقراءة كتاب (الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة) للكاتب بيت فرون، وأيضا قام بمعاونته في تأليف الكتاب كل من أنطون فان أمرونغين و هانز دي فرايز ،وهو كتاب علمي بالدرجة الأولى وإن منحه كاتبه عنوانا أدبيا مشوقا،ففي المقدمة أعلن الكاتب تلك الحقيقة عن كتابه وأوضح بأن بإمكان القارئ تخطي السطور التي تحتوي على تفاصيل علمية دقيقة إذا لم يكن له ميلان لذلك،وكان أول شيء ناقشه في الكتاب هو أهمية الأنف من الناحية الشكلية والوظيفية في جسم الإنسان،ومن ثم أخذ يتكلم عن الحاسة المرتبطة بالأنف وهي بالطبع الشم،وهي الحاسة التي يدور حولها الكتاب،وهي حاسة كانت المعلومات عنها قليلة وشحيحة،وربما لذلك كثرت حولها الأقاويل والتعليقات الشعبية،فالحديث قد يكثر أحيانا حول ما هو مجهول،فحتى ما قاله الفلاسفة كأفلاطون وسقراط وغيرهما يبدو بأنه موقف شخصي أو إنطباع خاص ولكن تم تعميمه من قبلهم،وحلقة التقليل من شأن حاسة الشم إستمرت حتى مع ظهور الفلاسفة في العصور اللاحقة مثل كانط الذي كانت نظرته لتلك الحاسة نظرة دونية،والسبب في هذه النظرة من قبل المفكرين قد يعود لإرتباط حاسة الشم بالناحية الجسدية والغريزية أكثر من غيرها كما كان يتم تصويرها آنذاك،أما المحطة الرئيسة في دراسة هذه الحاسة فكانت محاولات أهل الطب والكيمياء والعلوم بصفة عامة في إيجاد وصفات طبية للأمراض،وهذه المحاولات حصلت في القرن الثامن عشر حيث تمت ملاحظة وجود روائح معينة لأمراض كالطاعون والملاريا،وهي أمراض معدية كانت تودي بحياة الكثير من الناس في ذلك القرن،فتم إخضاع هذه الروائح للدراسة ولمعرفة أساليب وقف إنتشار الأمراض المرافقة لها،وفي القرن التاسع عشر إنتشرت فكرة مقاومة الأمراض المعدية بإستخدام روائح محددة كالبخور والعنبر و الكبريت،وهي روائح قوية ومنها ما لها إرتباطات دينية كالبخور في الكنائس،وبعد هذه المرحلة تعرف العالم على مواد التبييض والتعقيم التي تم اللجوء إليها كثيرا من قبل العلماء خاصة أن مهنتهم تطلبت التعامل مع الأمراض،ومن ثم أتى من يمجد حاسة الشم من المفكرين مثل روسو وغوته ،وكانت مهمة جدا بالنسبة لهم وإعتبروها رمزا للعاطفة،وتبعهم الأدباء في ذلك فجاءت أعمال أدبية عديدة تصور حاسة الشم على نحو حسي وغزلي،وكان كل من بلزاك و إميل زولا من ضمن هؤلاء الأدباء،وإنتعشت فكرة التعطر وإقتناء العطور في المجتمعات الغربية،ويعود بنا الكاتب إلى الناحية العلمية في دراسة حاسة الشم فيؤكد لنا بأنها الأصعب فليس من اليسير قياسها و لا تحديد مدى تأثيرها بشكل دقيق و واضح،ومع ذلك فشركات الأدوية وأيضا شركات أدوات التجميل كانت مهتمة بهذه الدراسات لتعرف ما يهم القوة الشرائية لديها ولتجذبها فيما يختص بالرائحة و كذلك اللون لتحقق أرباح أكبر...

وبعد ذلك شرع الكاتب في وصف حاسة الشم لدى حيوانات مختلفة كالطيور والأسماك والخفافيش والذباب والأبقار والفئران والأسماك والحشرات وغيرها ،وأخبرنا عن قوة الشم لديها،فمنها من لا تشم ومنها من هي ضعيفة الشم ومنها من لديها مقدرة كبيرة على شم الروائح،ومن ثم تكلم عن تلك الحاسة لدى الإنسان ،و ناقش المقولات التي تصور الإنسان ضعيفا فيما يتعلق بهذه الحاسة،وحسب الدراسات التي أوردها فمحاولة تحديد قدرة الإنسان الشمية هي معقدة كثيرا،وأخذ كاتبنا على عاتقه مهمة شرح بنية الأنف بالتفصيل و العمليات التفسية و الشمية وغيرها التي تدور فيه ،وعدد لنا تجارب أجريت للتمييز بين الروائح المختلفة مع إيراده لرسوم بيانية و رسوم توضيحية،وركز على علاقة الأنف بالدماغ و التعاون الذي يجمعهما،وينتقل بعد ذللك للحديث عن العلاقة التي تربط روائح معينة بحاسة الشم،وصنف طرق الترابط إلى كمية وكيفية،وأتى بتصنيف للروائح حسب خواص كالبهجة والتعطرو التعفن وغيرها من الخواص،وأيضا جاء بتصنيف أهل العطارة للروائح وهي فيها تشديد على روائح الأزهار و التوابل ،وبهذا أدخلنا لعالم الروائح العلاجية والتي فيها رغبة في المداواة،وحدثنا عن الفروق في حاسة الشم حسب الجنس و العمر و المهنة،فالنساء يتمتعن بحاسة شم أقوى من الرجال،والكبار في السن يميلون لإسترجاع روائح لذكريات إنطوت،ومن يعملون في مهن كالصباغة وغيرها من الأعمال اليدوية تقل عندهم المقدرة على الشم جيدا،وراقب باحثنا علاقة الروائح بالذكرى ودورها كمحفز،وهنا بين أن للتبايانات الإجتماعية و الإقليمية قدرة على التلاعب بحاسة الشم فمثلا الروائح التي يتصورها الهولنديين جميلة قد يراها الألمان منفرة،وغرف الإنتظار إن كانت برائحة الغابات والأشجار ستروق للكثيرين و ربما تذكرهم بطفولتهم وتجعل إنتظارهم لفترة أطول جائزا ولكن سيضيق بها من مر بتجربة الضياع في إحدى الغابات في صغره،فبإختلاف الثقافات و بتعدد التجارب تتنوع ذائقة الأفراد للروائح التي إعتادوها أو التي يحبونها أو التي يمرون بها بالمصادفة،ويخصص لنا فصل عن صناعة العطور و الترويج لها،ويسر لنا هنا بأن المرأة تشتري العطور لإنها مهتمة بها ومهتمة بنفسها و ليس للهدف الذي تلمح إليه الدعايات و الإعلانات التجميلية،وفي آخر فصل يسرد لنا معلومات عن الأمراض التي قد تصاحب حاسة الشم وهو فصل علمي بمعنى الكلمة،أما الخاتمة فجاءت على هيئة ملخص للنقاط الهامة التي وردت في الكتاب حول حاسة الشم وهو ملخص مفيد ويعرض أبرز ما قيل في الكتاب بإختصار مريح للمتلقي ...

كتاب (الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة) للكاتب بيت فرون،فيه تموج دراسات أكاديمية داعبها هوس شعبي حول حاسة تدعى الشم!

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق