النباهة والاستحمار > مراجعات كتاب النباهة والاستحمار > مراجعة أمل لذيذ

النباهة والاستحمار - علي شريعتي
أبلغوني عند توفره

النباهة والاستحمار

تأليف (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتاب (النباهة و الإستحمار) للمفكر الراحل علي شريعتي،هو كتاب معنون بطريقة فيها نوع من التهكم الحاذق،ونحس بنوع من الرغبة في معرفة ما السبب الذي دفع رجل فكر و علم إلى ذكر لفظين متباينين في المعنى معا في العنوان نفسه،واللفظ الأول في العنوان قد لا نستغربه من المؤلف و لكن اللفظ الذي يعقبه ربما يصيبنا بشيء من التعجب،وهنا نبدأ بالشعور بأن هناك جانبا شعبيا في الكتاب ،فالكتاب عبارة عن محاضرة ألقاها الكاتب أما جمهور آنذاك و عادة الجمهور يشمل فئات مختلفة من الشعب،ولعل الكاتب أيضا إتخذ عنوانه هذا و أسلوبه التلقائي و التحليلي في ذات الأوان ليسطر محاولة إنقاذ لروح الفكر بشكل مغاير !

والكتاب مقسم إلى فصول حول المقطع الأول من العنوان (النباهة) و المقطع الثاني (الإستحمار) ولكن بداية الكتاب أيضا مهمة،ففي المقدمة نشعر بصراحة لا نراها كثيرا لدى المثقفين ،فالكاتب يميل ليس فقط للإقتراب من الواقع بل للإلتصاق به،فحتى وهو يتحدث عن ماضي للعرب و المسلمين هو لا يصف ذلك الماضي بمغازلة تمجيدية ،فهو يقول ما أوصلته له دراساته و قناعاته دون أي إملاءات مفروضة عليه،وقام بتعليل غرضه من طرح الموضوع الفكري الذي يدور حول حرية التفكير و نبذ التبعية ،وبين أن هناك حاجة ماسة للوقوف أمام ظاهرة التقليد الأعمى لدراستها وفهمها،فهي ليست بالفردية فالمجتمعات الشرقية لما مرت به من ظروف إستعمارية في التاريخ الحديث و من ظروف تراجع فكري حتى في العصور السابقة صارت ضحية لهذه الظاهرة،وهناك تلميحات من الكاتب أيضا بأن الشعوب في بعض الأحيان لا تلعب فقط دور الضحية فحسب ،فهي قد تكون مسببة لما حدث من إنحسارات فكرية!

إختار الكاتب أن يتكلم أولا عما سماها ب (النباهة)،وأوضح كيف أن الدول المتقدمة توشحت بالعلم لتحقق ما وصلت إليه من تطور،وكيف أنها تسلحت بالمعرفة و قدرت قيمتها و تكبدت الكثير لتحصل عليها،وذكر أيضا دور هذه الدول حسب رأيه في إنتشار الجهل لدى الشعوب الشرقية و غيرها من الشعوب التي مارست سلطتها عليها ،فكلما تمادت مساحات حملات الإنتهال من المعارف لدى الدول المتقدمة قلت تلك المساحات لدى الشعوب الأخرى،وكأن هذا الصراع لابد أن ينشأ أو أن المعايشة الفكرية لا تقبل القسمة على إثنين،ويرى كاتبنا أن دول الغرب أو التي يطلق عليها الدول العظمي هي مبنية على هشاشة روحانية و قيمية،وفي وقت ما سينكسر السطح الجليدي الذي تسير فوقه و ستتعثر لإنها قللت من الشؤون الإنسانية ،وأيضا تحدث الكاتب في هذه الفصول عن إعتقاد نسبة من المثقفين الشرقيين بإنهم إكتفوا بما لديهم من علم و بإنهم تشبعوا ولا يحتاجون للمزيد من الجرعات التثقيفية ،وقد إنتقد هذه الظاهرة بشدة و بين بإنها سلبية للغاية ،و بإنها أدت إلى تراجع النهضات الفكرية و تقليل الدافعية لتفعيلها .

أما فيما يتعق بالفصول التي تدور حول(الإستحمار) فمقدار السخرية فيها كان أكبر،والكاتب شرح فيها أسباب و مسببات تغييب العقول عن الفكر في العالم الشرقي،وبعض المسببات تكون متعمدة و واضحة مثل القمع و الرقابة و الإرهاب و الترهيب،ولكن المسببات الأخرى هي أكثر خطورة وهي المخفية و الغير مرئية،وأتى بمثال يستحق الإمعان فيه،وهو ما حصل في العصر العباسي من إستخدام أساليب إلهاء الشعوب ،فكانت العصور السابقة فيها مساعي لقيام ثورات حركية وفكرية للمطالبة بالحقوق و رفع الظلم ،و حدث أن تعرض فيها الخليفة عمر بن الخطاب للمسائلة فيها و إتضح بإنه بريء مما نسب إليه و كل ذلك تم في المسجد ،أما خلفاء بني العباس فقد إنتهجوا إسترايجية سياسية تحول دون أن تقوم الشعوب بذلك و دون أن تنتبه الشعوب لما يحدث لها،فقامت الدولة بإغراق الشعوب في التفكير في الصغائر بغطاء ديني تارة و ُمتعي تارة ،وهذه الأغطية كانت تتخذ حلة جذابة جعلت من السهل أن يرتديها الناس آنذاك تدريجيا حتى أن مظالم كثيرة تعرضوا لهم و سكوا ،وتذكرت الشاعر أحمد فؤاد نجم و هو يتحدث عن هذا التوجه السياسي حينما ذكر بأن إلتهاء الشعب المصري بكرة القدم و الإستماع لأم كلثوم من المؤثرات التي أدمت العقول المستنيرة و العقول التي حاولت الإستنارة،فعمت الظلمة عقولاً كثيرة بغير أن تدري هذه العقول ماذا أصابها،وبعض هذه العقول عاشت في خيالات إنتصارات وهمية و سعادة كاذبة وهي قابعة في هذه الظلمات،ونحس بالحسرة التي تعتري الكاتب وهو يناقش هذه النقطة تحديدا، و نبصر رغبته في إفاقة هذه العقول و إستنهاضها،فهذه العقول منشغلة بأسئلة جدلية منها ما هو يتكحل مخادعا بالقومية و منها ما يتعرض لأمور قدرية أو غيبية ،و يتساءل الكاتب عن الجدوى من في الدخول في غمارها،هو يرى بأن هناك أيدي تتعمد أن تخرج بهذه المجادلات لتصرف الشعوب إنتباهها نحوها فتنشغل عن مصيرها و عن فكرها و عن رغيف خبزها !

كتاب (النباهة و الإستحمار) للمفكر الراحل علي شريعتي،فيه محاولة ضغط زر جرح فكري لا زالت تعاني منه الشعوب الشرقية لتسنير من بعد ظلمة طويلة...

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق