طوق الحمامة في الألفة والألاف > مراجعات كتاب طوق الحمامة في الألفة والألاف > مراجعة أمل لذيذ

طوق الحمامة في الألفة والألاف - ابن حزم الظاهري الأندلسي
تحميل الكتاب مجّانًا

طوق الحمامة في الألفة والألاف

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب مجّانًا
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

حدث أن شاهدت فيلماً يدعى (طوق الحمامة المفقود) للمخرج ناصر الخمير،و إكتشفت لاحقاً بإن المخرج هو أيضاُ من كتب السيناريو و الحوار و قد صدر الفيلم في عام 1989 ،و لكني لم أدرِ عن الفيلم إلا بعد فترة طويله من إنتاجه،وهذا حال عدد كبير من أفلام المغرب العربي الراقية للغاية ،و التي قد تفوز بجوائز عالمية و مع ذلك فإنها إما لا تصلنا في المشرق العربي أو تصلنا متأخرة،و هذا الفيلم المختلف عن غيره لموضوعه و لأسلوب عرضه كان يرسل إلينا رسالة عن ماضي العرب و المسلمين،فأحداث الفيلم كانت في الأندلس ،و البطل الذي لم يغادر و لا مشهد في الفيلم كان الحب ،و أسلوب العرض جاء بملامح عربية فيها ذهن و نبض فؤاد،في الفيلم نشهد و نشاهد حب يحصل لإلتقاء عين بعين ،و نتابع لحظات الوصال و القطيعة القلبية،و نتأثر بمقاطع شعرية غزلية تسحب البسمات الخجولة،و نرصد تبعات الحب من وجع و فرح و غياب و شوق،و نرافق الطفل و الشيخ و هما يشاغبان المتحابين،و نأمل زوال نحول قلب أصابته سهام العشق و لم ترأف به،و نلاحظ العفة في تبادل الرسائل المفعمة بالهيام ،و البوح بالعين أو باللفظ عن الولع بالحبيب بلهجات فيها حياء،وتعدد أمامنا أسماء الحب كما عرفها العرب كأصداء في الفيلم ،و لفت إنتباهي بإنها كثيرة و بها درجات فهي لا تأتِ بالمعنى نفسه تماماً،فالهيام غير الولع،والولع غير الغرام،والغرام غير العشق و هكذا،ومن الجميل أن نقتطف رسالة حب أندلسية ضيعها الوقت منا و مع ذلك فهي كلما تعتقت وجدنا بأننا كنا قوم لنا رؤية حتى في مجال نصفه اليوم بالمعيب و هو الحب،و كنت لا أعرف كيف راودت المخرج و المعد فكرة هذا العمل بما فيه من إرتقاء بمفهوم الحب و عرض أجواء العشق المتعفف في الأندلس مع إبراز لدور رجال الدين في تلك الفترة و ما لهم من آراء حول الحب ،فإذا بالأيام تمضي و يتبين لي بأن هناك نص لإمام وفقية أندلسي كان معروفا جدا يسمى إبن حزم،وكان هذا النص سيفقد لولا إهتمام عدد من المستشرقين به و ترجمتهم له،ومع إنتقال هذا الكتاب للغرب بما فيه من تأريخ لحياة العشاق في الأندلس سنحس بأن الإمام إبن حزم لم يكن فقط رمزا دينياً في عيون الغرب بل أيضا سفيرا للعاشقين ...

كنت متلهفة كثيرا و أنا أحتضن كتاب (طوق الحمامة في الألفة و الألاف) للإمام إبن حزم الأندلسي، لإني أردت أن يصدق إحساسي فيكون الكتاب جميلا كالأحلام الكلامية العاشقة في الفيلم أو حتى أكثر لإن الكتب عادة تكون أجمل من الأفلام التي بنيت عليها،وكنت أفكر كثيرا في أي لغة كتب و هل ستكون يسيرة أم صعبة علي؟،و هل ستصدمني طقوس الهيام في الأندلس أم ستكون مقاربة لأيامنا؟،وكيف يكتب رجل دين عن الغرام و من إنقطعت عنهم أسباب الوصال من المغرمين؟،وماذا كانت ردة فعل الناس آنذاك كمتلقين وهم يطلعون على كتابه؟،وهل نشره في الأساس أم أبقاه بينه و بين نفسه؟،وما الذي حصل معه ليكتب في الحب؟،وكل تلك الأسئلة لم أكن على يقين بأني سأجد أجوبتها في الكتاب و أحسست بإني سأعثر عليها متفرقة في نقد صيغ حول الكتاب ،أو في مقطع ورد في كتاب قديم يتحدث عن مواضيع أخرى و ذكر فيه شيء عن الكتاب بشكل بسيط،أو في ترجمة كتبت عن المؤلف،فإذا بالكتاب يمنحني مبتغاي من أجوبتي،مرة بالتصريح في المقدمة أو في النص،ومرة بين خبايا السطور كإستنتاج أرادنا الكاتب أن نصل إليه أو نفكر فيه أو أن نبحث فيه،وما أسعدني هو أن وصول الكتاب إلينا من الغرب إستفز بعض باحثينا ليؤدوا دورهم في الإبحار في النص ،و أيضا تصحيح لتلك النظرة التي شابت الكتاب و تحديدا موضوعه،فالكتاب كان يعد مأخذا على عالم عني طوال حياته بالدين،وتم إلصاق ألفاظ مسيئة للنص الأدبي الذي كتبه لإنه يدور حول العشق،فكان دور الباحثين بعرضهم لعمل شعري و نثري لرجل دين شهير بمحنى ثقافي ،و قد رأى أحد الباحثين بإن الكاتب و تحديدا في الأشعار قد كتبها بإستحياء مفرط و إن ذلك حدث لمكانته الدينية و العلمية ،و فضل لو أبعد الكاتب هذه الفكرة ليطلق عنانه في شعره ،وأنا لا أتفق مع هذا الرأي لإن أروع ما في الكتاب هو الصمت بين كلمات الولع و هي تفيض على الكلمات ظلا راقيا يزينها ،و الإمام إبن حزم قد تعرض بالفعل لمضايقات كثيرة بسبب هذا الكتاب و قام البعض بالتقليل من مقامه الديني،ومع ذلك فأنا لا أجد في النص إحجاما أو خوفا و إنما ملامسة لواقع عاشه في الأندلس مع إنفتاحها الكبير و غناها بحضارات متنوعة ،فإن التعبير عن الغرام كان يتم ببعض البوح و ببعض الكتمان لإعتبارات مجتمعية و دينية ،و أيضا للمحافظة على الحبيب ،و كذلك لإلهاب ذلك الغرام ،فتقلب ناره بين البوح تارة و الكتمان تارة أخرى يسرب ما فيه من جمال يخالطه الألم ...

إبن حزم سرب بعض أعباق ألهبة العشق ليخلصها من رماد الدسائس و نظرات الإتهام،فبدأ كتابه بمحاولة وصف الحب لأن تعريفه صعب حتى على أهل اللغة و الأدب،و من ثم ذكر لنا أسماء فصول كتابه و هي تحمل عناوين فيها رومانسية من جهة و واقعية من جهة أخرى،فالكاتب سعى للموازنة بين الأدب و العلم و هو يشرح لنا رؤيته للحب و منظوره له،وألبس كتابه حلة رسالة كما العشاق و بعض مسميات أجزاء رسالته هي :(علامات الحب) و (باب فيه ذكر من أحب في النوم) و (باب فيه ذكر من أحب بالوصف) و (باب ذكر فيه من أحب من نظرة واحدة)و(باب ذكر فيه من لا تصح محبته إلا مع المطاولة)و (باب الإشارة بالعين) و (باب المراسلة) و (باب السفير)و (باب الصديق المساعد) و (باب الوصل) و (باب طي السر) و (باب الكشف و الإذاعة) و (باب الطاعة) و (باب المخالفة) و غيرها من الأبواب أو الفصول،و حينما شرعت في القراءة أكثر في الكتاب شعرت بأن لغة الكتاب لم تكن صعبة و في الوقت نفسه كانت جذابة،فهي لغة لم تكن معقدة في تركيباتها و أيضا تجذب آذاننا لتطنب بما فيها من تأملات و جماليات،و أحببت الجزئية ذاتها التي راقت لي في الفيلم و هي تعديد أسماء الحب في اللغة ،و من ثم تنقلت بين الفصول لأنصت للإمام و هو يعلل لنا من هو الحبيب الحقيقي، و يصف لنا أنواع الأحبة ،و مدى صدقهم ،و ماهية حقيقة مشاعرهم ،و ينظم لنا أبيات شعرية تحاكي المفاهيم التي ينشدها أو تؤكد على المواقف التي يذكرها ،و يأتي بأبيات لغيره و أيضا قام بالرد على بعضها،فالمساجلات في صفحات الكتاب شعرية و منها غرامية،و كذلك ذكر الإمام في كتابه إقتباسات من القرآن الكريم و السنة النبوية بين الحين و الاخر ليبين لنا بأن الحب أيضا وارد ذكره في الدين ...

إبتسمت و أنا أقرأ فصول الكتاب لأن المؤلف عبر عن أحوال المتحابين و الهائمين و المغرمين منذ أول لقاء جمعهم ولآخر لقاء إفترقوا من بعده أو جددوا فيه جمعهم بما ما زال يدور الآن،فهناك من يصيب قلبه التعلق من أول نظرة نظرها قلبه لمحبوبته،و هناك من سمع أوصاف فتاة فهام بها و بخصالها مع أنه لم يرها و هذا موجود في واقعنا و منهم من يخطب الفتاة لهذا السبب،و هناك من إلتقى بحس الفتاة الفكري فطاب له و تولع بمراسلتها ،و قد يصدف أن يكون قد إلتقى بها أو لم يلتقِ بها ،و هذا أيضا واقع لدينا من خلال وسائل التواصل المنتشرة في عصرنا،وهناك من يأنس بتحويل عشقه إلى شعر حُجب فيه إسم المعشوقة عن الأنظار و أذيع فيه غرامه بها و هذا هو حال عدد من الشعراء و الكتاب اليوم،و حتى أعراض الحب من قلة نوم، و من كثرة الحديث عن المحبوب ،و من لوم الحبيب على الفراق و من كثرة التخاصم و من ثم معاودة التحادث و من التعلق بشخص له مكانة إجتماعية مختلفة أو ملة مختلفة ،و هو ما يطلق عليه البعض بالعشق الحالم لصعوبة إلتقاء الأحبة فيه فكيف بزواجهم،وهناك من يمرض جسده لإرتباط قلبه بقلب محبوبته المبتعدة،وهناك من هو على إستعداد بالتضحية بما يملكه ليعود له الحبيب،و الكاتب أوضح الفرق بين العشق عند الرجال و عند النساء ،و أكد بأنه يرى بأن المرأة عندما تحب تتمحور منظومة حياتها حول حبيبها ،و يغدو الإنشغال بإسعاده هو شغلها الشاغل ،و الكاتب يعزو ذلك لقلة الأعمال التي تغطي وقت المرأة آنذاك ،و هناك من يرون بأنها طبيعة المرأة في عشقها ،فهي تهوى الإخلاص الكامل لمن شغل قلبها ،و الكاتب أيضا يذكر بأن المرأة تتعذب أكثر في الحب لهذا السبب ،و ذكر حالة إمرأة ظلت متيمة برجل أحبها لفترة و من ثم تركها فجأة ،فظلت مخلصة لها حتى آخر أنفاسها ،و هناك حكاية إمرأة مرضت و إعتلت صحتها لغياب حبيبها مما أدى إلى موتها،و الكاتب يأتي بهذه القصص على شكل أخبار سمعها أو عرفها على مدار فصول كتابه ليسطر لنا ما تناقلته قلوب الأحبة في وقته ،فهو كتب الهمسات ،و ما صاغته المكاتبات و الرسائل ،و ما طوته العيون من عبارات ومعاتبات عشقية مخفية...

و آخر صفحات تعلن براءة كاتبها من تهمة وجهت إليه ،و هي تهمة مخالفته في عرضه لمفاهيمه حول الحب لشريعة الدين ،فهو و بشكل مباشر لا يقبل الشك و لا يحتمل أن نغفله أرانا البعد الديني للحب،و شرح و دلل بالنص الديني سؤاء كان النص آية أو حديث نبوي أو حتى أثر ورد عن السلف ،و هو ناقش على وجه الخصوص الحب المذموم أو الذي يجب إجتنابه،و أوصى و حث على العفة في أكثر من موضع في الكتاب و لكنه إسترسل في التأكيد عليها في هذه الصفحات،هنا نلتقي بالإمام إبن حزم الذي نادي بالفضيلة و سعى لآن تكون الآراء التي ذكرها في الفصول السابقة واضحة ،و ربط ما كان بين كلماتها المسهبة في الغرام برابط شرعي ،و حرص أن يفهم القراء و الجماهير ما إستنتجه و إستخلصه من النصوص الشرعية حول العشق.

كتاب(طوق الحمامة في الألفة و الألاف) للإمام إبن حزم الظاهري،هو مخطوطة ذاقت حروفها لوعة تغيب الحبييب ،و رامت وصله و إن لم تعرف كيف السبيل فتناقلتها حمائم الأيام لنراها ،و لنبحث عن رسائل قلوبنا التي طويناها ببصمات التناسي ...

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق