هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري > مراجعات كتاب هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري > مراجعة أمل لذيذ

هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري - باربارا جولدسميث
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

منذ مقتبل العمر وأنا في ذهني صورة مدام ماري كوري كإمرأة إستطاعت أن تحصل على جائزة نوبل و في مجال عادة يكون حكرا الرجال،و هو مجال الفيزياء،و أحببت فكرة أن زوجها كان كما فهمت آنذاك قام بمساعدتها و بأنه كان عالما أيضا،فهي كانت بالنسبة لي تلك المرأة الصلبة التي إقتحمت ميدانا يوصف عادة بالصعوبة و بأن النساء كن لا يدخلنه ،فإذا بمدام كوري لا تكتفي بدخوله فحسب و إنما بالتفوق فيه بجدارة،فهي الباحثة و العالمة و مكتشفة ذلك العنصر المشع الذي يدعى اليورانيوم،و بالصدفة و أنا أتأمل من فازوا بجائزة نوبل قرأت نبذة عنها فعرفت بأني اشترك معها في يوم المولد،فأنا و هي من مواليد السابع من تشرين الثاني،و تساءلت نوعا ما إذا كانت بيني و بينها بعض الصفات المشتركة ،و لعلني تمنيت أن أكون إمرأة ناجحة مثلها كما كنت أتخيلها،و النبذة التي قرأتها في الموسوعة لم تروِ رغبتي في الإلتقاء بمدام ماري كوري العالمة و أيضا الإنسانة،فأنا أردت أن أعرف بماذا كانت تفكر ،وبماذا كانت تحس،فالصور تنطق عنها جانبا غامضاً يتصف به مواليد نوفمبر و لكن ما هي الأسرار التي لفت هذا الغموض ؟!

وصار بين يدي كتاب يحمل عنوان (هوس العبقرية:الحياة السرية لماري كوري) و هو من تأليف باربرا جولدسميث،و المؤلفة و المعدة لها باع طويل و كله عطاء في مجال البحث الأكاديمي و تحديدا السير الذاتية للمبدعين،و أيضا أحسست بأن لمسة نسائية ستضفي على الكتاب دفئا للأحاسيس ،و بأنه لن يكون معلومات مسطورة فقط و هذا ما حدث،و أعود للعنوان و أكثر ما شدني إليه كان المقطع الأول منه و هو (هوس العبقرية) ، و شعرت بأن هذا المقطع سيأخذنا لنرى مدام ماري كوري و هي تعمل في المختبر ،وأيضا سنسمع فيه شيئاً من خلجات قلبها و ما به،و بالفعل وجدت في الكتاب ليس فقط صفحات تناقش هذين الجانبين و إنما أيضا محاولة لفهم واحدة من أشهر صور مدام ماري كوري و هي في المختبر،و إنصدمت عندما عرفت بأن الصورة كانت مفتعلة و تم التجهيز و الإعداد لها لتكون بهذا الشكل كجزء إعلاني و ترويجي للأيقونة مدام ماري كوري،وهي واحدة من الصور التي حاولت الكاتبة ترميم ما كان ناقصاً فيها من أحداث و مشاعر،فهناك صور من الطفولة و من الصبا و الخطوات الأولى للنجاح و التعثر و بداية الشهرة و مصاعبها ،و كلها فيها مساحة تستدعي التأمل فيما كتمته مدام كوري من أحاسيس ...

في أول الصفحات تطرقت المؤلفة إلى نشأة مدام ماري كوري و أصولها البولندية،و مدى إهتمام والدها بالعلم، و كثفت التحدث عن الإضطهاد الطائفي و الديني اللذين تعرضت لهما كوري و عائلتها مما أدل إلى تهجيرها الجبري مع عائلتها،و كيف تعلمت الطفلة حرفة كبت ما تحس به و خطت أول خطواتها نحو عالم الأسرار،و هذا جزء من طبيعتها و جزء منه شكلته ظروفها،و أيضا رسمت لنا الكاتبة قدر إستطاعتها الآثار النفسية لعلاقة كوري المتوترة بوالدتها و علاقتها البناءة بوالدها،هي إبنه رجل العلم الذي غذاها بضرورة الإكتشاف و المعرفة و حرص على إكمالها لتعليمها و عاونها،وهي أيضا إبنة إمرأة مرت بمصاعب شتى فأثر ذلك على برودة أجواء الحس لديها حتى مع من أنجبتهم،و في باريس إنكبت كوري الشابة على دروسها و لكن كان هناك وقت تسرب فيه الإعجاب إليها بفتى من أسرة مرموقة و لكنه لم يستطع أن يتزوجها ،و هنا فقدت كوري توازنها لفترة وجيزة إستراحت فيها لتعود أقوى و أكثر صلابة و لتصعد إرادتها فوق دموعها ،تضاعفت حزمة أسرارها على مدار الأيام و أتقنت لعبة الكتمان و إستحواذها أسرارها لنفسها،و إذا بالحياة تجمعها بشريك نجاحها كعالمة و شريك حياتها و هو بيير كوري، و هو من حملت لقب عائلته و إنجبت منه إبنتين،و هذه الفترة هي الأصعب و الأنجح و الأقسى في حياة كوري الباحثة و الإنسانة،فرتبتها العلمية كانت تتصاعد و إحتضانها و زوجها كعالمين لليورانيوم كمولودهما العلمي جعل منهما في مرحلة النجومية و تحديدا هي لكونها إمراة ،و في الوقت نفسه كانت كوري المرأة تعاني من أعراض الإكتئاب ،إكتئاب ما بعد الإنجاب ،و كآبة تحدي طموحها لها و صراع الأضواء، و إرتماءعدد من أقلام الصحافة للهجوم عليها في بعض الأحيان ،و تكرارها لتجربة أمها في التربية القاسية الخالية من المشاعر و خاصة مع إحدى إبنتيها،مدام كوري التي أصبح إسمها في أحد الأوقات سلعة تباع فيها منتوجات تحوي اليورانيوم، هي نفسها التي كانت تعتزل العالم و تنكب على أسرارها مع ذاتها،هي من سخرت نفسها للإستفادة من مادة اليورانيوم،و هي من فقدت زوجها إثر مرض أصابه نتيجه تعرضه المكثف لليورانيوم و مع ذلك كانت لا تحمي ذاتها من هذه المادة و إستمرت في ملامستها و معاينتها،و لم يتوقف الموضوع عند هذا الحد فإبنتيها سارتا على نفس الدرب و إحداهما تزوجت عالما يبحث في مجال اليورانيوم أيضا،فتنواصل سلسلة الأمراض و فقد الأعزاء في عائلة كوري نتيجة عدم الوقاية الكافية من هذه المادة النافعة و الخطيرة في الآن نفسه،والعائلة واصلت هذا الإهتمام حتى مع الأحفاد و هذا شيء مثير للدهشة و العجب،إنها مدام كوري التي توفت و نعاها زعيم فرنسا و زعيم بولندا في جنازتها،إنها مدام كوري التي إقتنصت بجهودها و تعبها و سهرها جائزة نوبل مع إنها نافست العلماء من الرجال ،و أثببت بأن قدرات المرأة موجودة حتى و إن ظهرت محاولات متعثرة لتغييبها،إنها مدام كوري التي عشقت الأدب و الفنون و هي في عنفوان صباها و ذاقت حبا صعبا،إنها مدام كوري المرأة الناضجة التي صبت كل قواها للعلم و التي حكمت عقلها في إختيارها لشريكها في عملها و حياتها،إنها مدام كوري التي تظهر في الصور و كأنها بقوة اليورانيوم لنعرف بأنها خزنت أسراراً قوية أيضا و مدوية حينما نسمعها لإنها صادرة عن عقل قاتلته الأفكار و صعب عليه القرار و الإختيار،و من قلب تهافتت عليه ذكريات حياة قاسية عاشها و لم يتكمن من نسيانها أو طيها ...

كتاب (هوس العبقرية :الحياة السرية لماري كوري) لباربرا جولدسميث،فيه قصة إمرأة كانت تنشد السلام في داخلها و كان العلم هو غايتها كما يدل عليه خارجها ..

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
1 تعليقات