متاهات الوهم > مراجعات كتاب متاهات الوهم > مراجعة Ahmed AL-Hassan

متاهات الوهم - يوسف زيدان
أبلغوني عند توفره

متاهات الوهم

تأليف (تأليف) 3.9
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

متاهات الوهم ليوسف زيدان

اولى سلسلة سباعيات يوسف زيدان تجلي الوهم او بالاحرى تجليه امامنا قبل المضي قدما في دوامات التدين و فقه الثورة ، فكل كتاب يحتوي على سبع فصول على عدد ايام الاسبوع و هي عبارة عن مقالات نشرت منذ بدئه الى تاريخ اليوم.

قد يكون مثلي الكثير حين اقرا عدة اعمال لكاتب قد اصل الى مرحلة من الملل تدعوني الى تغيير مذاق الادب و لكن مع يوسف زيدان لكل مقال مذاق و في في كل صفحة من الكتاب كتاب ، حيث نقرا عدة كتب بين دفتي كتاب واحد يدخلنا التاريخ بعقلية خلدونية رائعة (ينبغي علينا اعمال العقل في الخبر المنقول) فنقرا للمتصوفين و المتشددين و لمحمود درويش بعض القصائد المختارة و هيجل ليزيح عنك خطر الملل.

الوهم: الاعتقاد الخيالي بصحة امر ما و الايمان به ثم المبالغة في تاكيده من دون ان يكون له اثبات في الوقع الفعلي

من هذا التعريف يترجم لنا واقعنا كعرب عموما بجميع طوائفه و معتقداته و هذا مرده الى عمق التاريخ و الارتباط ب (حواديت) و خرافات نقلت على انها اخبار من التاريخ دون اعمال عقل المنطق و فحصه بمجهر العقلانية و الادهى من ذلك هو تصديق تلك الاخبار و الخرافات و التشدد فيها لنصبح عبيد فكر خيالي يستعبد به كل من يؤمن به و من هنا خرج لنا د. يوسف زيدان بسباعيته الاولى بعنوان (اوهام المصريين) و هي اوهام كل العرب ليعرف لنا مصطلحات مثل:

(المخلص و اضاف عليه (الذي لا يخلص) ) حيث ترسخت هذه الفكرة و هي يهودية باصلها جاءت و ذلك لتحقيق حلم خيالي على ارض الميعاد فكان الوعد الالهي التوراتيى هو بمثابة وعيد لسكان بلاد ما بين النهرين النيل و الفرات

فكرة المخلص منذ الاف السنين لنراها عادت في زمن التكنولوجيا و العلم الحديث بصورة اشخاص لا يجيدون الا (الجعجعة) و بما اننا من شعوب الارض المقهورة فلا نتاجر الا بالدفوف المخرومة لنحسبها مملوءة و ما هي الا طبول جوفاء فتعودنا اللطم و سماع من ينقر دون ان يكون باستطاعتنا ان نقول لا، او نتفكر في الايقاع ، فدائما نريد الحل من الخارج و هذا ما يميز الدول المتقدمة عنا حيث المخلص هم الجماعة و عملهم مع بعضهم للخلاص دون اعطاء النفس راحة نفسية مؤقتة لا تنجم عنها الا الخيالات و الاوهام

التاريخ ليس اقصوصات ترويها الجدات لاحفادهن قبل النوم و انما (هو الخطوة الاولى لفهم واقع معاش) و لكن قراءتنا للتاريخ ما هي الا قراءة راسمالية بحتة لا ترتبط الا بجدوتها الاقتصادية و الكلام لا ياتي الا عن تحقيق ارباح مع تغضية النظر عن التدمير الثقافي و المساعدة في سرعة تعفن العقل العربي و انحداره في اغوار الوهم و لذلك كانت هناك (التجارة بالاحلام من اربح التجارات و اكثرها خسة) وهنا ضرب لنا د. زيدان مثلا فيلم الناصر صلاح الدين على انه المخلص و لكن شواهد التاريخ كانت مغايرة لما نراه على الشاشة الفضية او الذهبية

يقول زيدان "البطولة لا تكون فردية ، و هي لا تتم و لا تؤتي ثمارها الا بعد خروج الناس من الباطل و بقائهم بعيدا عن حيل المتلاعبين بالعقول ، و الزاعقين كذبا في آذان الناس بالاوهام ، و المتهتكين الهاتكين للحقائق المؤسسة للوعي العام ، فلعل الله يرحمنا منهم ، و لا يتحفنا بجديد منهم ينادي في اهل زماننا بالباطل قئلا "اللهم ارسل لنا رمسيس الثاني لتحرير قادش" "

كنت قرات قبل سنوات كتاب رائع لامين معلوف "الحروب الصليبية كما رءاها العرب" حيث يورد مراجع لكل خبر من افواه و اقلام شيوخ المؤرخين العرب و المسلمين و خجلت ان اسال (أذا لماذا نمجد صلاح الدين و سيرته ) و هنا صلاح الدين على سبيل المثال لا الحصر و هو كان يقوم بكل تلك المؤامرات على اصحابه و اهل بلاده و لماذا تاريخنا مليء بالفتن ، و لكن في هذا الكتاب وجدت ما دار في ذهني نعم لماذا ، يقول الرسول الكريم (الخلافة بعدي ثلاثون عاما ، ثم تصير ملكا عضوضا) اي بعد النبي بثلاثين عاما سيصبح الحكام يعضون على كرسي الحكم بالنواجذ ، فحتي لو كان الحديث ضعيف او غير صحيح و لكن معناه يتجلى في التاريخ من بعد علي بن ابي طالب الى يومنا هذا .

يستمر د. زيدان في تسلسل التحليل التاريخي للمسلمين و المسيحيين لنرى كيف الدين و اصحاب الدين اصبحوا ابعد الناس عنه عندما تسيس و اصبح داعما للسياسة و الحرص على الكرسي و ما فيه من افيون. و من منطق التسلسل و اعمال العقل نرى ان التدين افرز مصطلح خطير و قد يكون المتهم الاول في تشرذم الاساس الصالح و منبع الاديان للسلام و الامان و ما هذا المصطلح الا (الفرقة الناجية) فتفسير الدين و الكتب السماوية السمحة اصبح بمجهودات فردية او جماعية لتخرج كل فرقة برمز بشري على انه ممثل الاله في الارض على انه صاحب الحق و كل ما عداه هو الباطل ليعطي نفسه حق قتل الاخر، و الاعتداء باسم الدين و الدين منهم براء ، و هنا كانت الانعطافات المتتالية في تاريخ عروبتنا لنتحول شيئا فشيئا من قضايا الامة الاساسية و الالتفات الى صواغر الامور القائمة على النرجسية حتى غدت اوطاننا حدائق من النرجس و للاسف لم نستعر من تلك الجميلة الا غرورها و لكن لم تفح منا روائحها الزكية .

يقول د. زيدان "لا يوجد مجتمع واحد في العالم الا وهو يشتمل على تعددية راسية و افقية ، فالتعددية الراسية هي تلك الطبقات المتراكمة تاريخيا ، طبقات الوعي و مستويات التحضر و التدين و كلما كان المجتمع اكثر عمقا في الماضي ، كان تعدده الراسي اكثر كثافة و تراكما، و من ثم وعيه اكثر تنوعا في مصادره، اما التعددية الافقية فالمقصود بها تنوع الجماعات المؤلفة لهذا المجتمع، و التفاوت النسبي في الثقافة النوعية لتلك الجماعات، ما بين ثقافات الاقليات و سكان المدن و اهل الريف " ، فكلما انصهرت هذه المستويات و انصهرت تكونت هنا "الذات القومية او الوطنية " التي ستكون مهيمنة موحدة للمجتمع ، فكلما كانت المواقف حادة و صارمة و الهم الوطني قوي و عميق تتجلى هذه الذات و تتوحد ، لكن اذا كانت المواقف سطحية و متميعة انفرط عقد هذه العناصر و تجوهرت الجماعات الفرعية حول محاورها الاصلية و هنا تتكون ظاهرة الاضمحلال و غروب الذات و من ثم تظهر نعرات الاستقلال و التميز داخل المجتمع و معها تظهر تاكيد الذات النوعية على انقاض الذات الكلية و ينفرط الوطن الواحد الى شظايا وطن متفرق"

الفكر التالية التي تحدث عنها د.يوسف هي فكرة البابوية و الخلافة و ما هاتين الفكرتين الا فكرة بمفهوم موحد في ما تتضمنانه بجذور تاريخية حتى سابقة لظهور الاسلام و هذه افكار كانت فكرتها المبدئية ماخوذة من فكرة وجود "شيخ القبيلة" حيث هو من كان القائد الاداري و السياسي للقبيلة فتطورت هذه الفكرة بمجيء الاسلام برسالة محمد (ص) الذي اعطى الخلافة من مفهوم من يخلف المسلمين بعد وفاة النبي فكان ابو بكر الصديق الذي بدا خطابه بالناس بجملة مبنية للمجهول بانه ولي عليهم و لا طاعة لهم عليه اذا لم يطع الله فيهم و كذلك الفاروق عمر و خطبته الشهيرة و قصة الاعرابي الذي هدده بالسيف فما كان من عمر الا ان حمد الله تعالى على عمق ادراك الرعية لمهمة طاعة الله اولا و اخرا و توالت الخلافات من عثمان الى علي و كلها كانت خلافات ملطفة تسير على نهج النبي في الزهد بالدنيا و العمل من اجل رسالة السماء و لكن كانت المشكلة فيما بعد هذه الخلافات الاربعة و ما نراه في تاريخ الخلافات فقد تحول الخلفاء الى حكام سلطويين يعضون على الممالك بالنواجذ للقيام بابشع الاعمال بهدف واحد الا وهو الحفاظ على الحكم الدنيوي و لذلك كانت هناك ضرورة لايجاد سلطة دينية و من هنا اصبحت هناك سلطتين دنيوية متحكمة باسم الحاكم و سلطة دينية باسم المفتي او شيخ الاسلام و هو سيكون تابعا لحكم الحاكم الدكتاتوري ليقول من خلاله ما يريد ان يقوله و اعطاء (الحاكم) صفة ظل الله على الارض.

ينقلنا د. زيدان الى فصل معنون "ببشاعة المقوقس..." ليسرد لنا تاريخ مصر من قبل مجيء الاسلام الى عمرو بن العاص الى عبدالله بن ابي سرح لنستقرئ معه تاريخ معروف لنا في النصوص المنقولة و لكن احتاجت الى مبضع د. زيدان لتظهر الحقيقة -و اقول بكل تاكيد اني اقتنعت بكلامه- فهو اي الاستاذ يوسف الاخذ بيد التراث من النص الى الخطاب يقودنا لمتاهات خرافية الى تحاليل عقلانية بامتياز فو الذي يشك في كل شىء ليثبت او يدحض تلك الاشياء ، فيعيد لنا تسلسل التاريخ و لكن يقلم منه شوائبه التي وصلت بامة العربية الى ما هي عليه. و كذلك يتحدث بنفس الوسيلة و الهدف عن تاريخ الاندلس بعنوان "اوهام الاندلس" فينقد حاضرنا بما نهتم به و على حساب واقع يحتاج منا كل الامكانيات العقلانية و الفكرية و الجسمانية لنخرج من وحل الانحطاط ، فصل غاية في الروعة ملخصه في قصيدة لمحمود درويش استشهد بها د. زيدان

قصب هياكلنا ، و عروشنا قصب

في كل مدينة حاو، و مغتصب

يدعو لاندلس

ان حوصرت حلب

يقول هيجل ( نتعلم من التاريخ ان احدا لم يتعلم من التاريخ) دخل المسلمون الاندلس بالتامر مع اعداء الملك الحاكم انذاك و عندما استعان المسلمون باعداءهم بعد قرون خرجوا من الاندلس

هناك معلومة جميلة في التاريخ تحدث عنها د. زيدان و هي التاريخ الصحيح موجود في لفائف البردي و هي الرسائل التي كانت تكتب من الوالي الى عماله في المناطق التابعة له حيث انها كانت تكتب بضرورتها الزمانية دون سيف مسلط من قوي او مسيطر ليكتب ما يرسي به عرش فهناك الاف من تلك اللفائف لتحكي لنا تاريخ حدث و تروي لنا ما كان من شان اجدادنا لنعدل في الحكم عليهم و نقتدي بلالئهم و لكن تجلي لنا خرافات نقلت لاهداف نكون نعرفها و اخرى نجهلها تكون دفنت تحت رمال القرون الماضية.

كتاب يعطي دفعا ثقافيا و زخما معرفيا على اساس تحليلي عقلاني حيادي ظاهره القسوة في النقد باطنه الحب للوطن و الامة ، و اخيرا تنبا د. زيدان بعدم نجاح تجربة المتاسلمين بما اسموه بجماعة الاخوان المسلمين لانهم ببساطة قاموا بتسييس ظرافتهم الاجتماعية فتوقع الناس و الشعب منهم بعد الكرسي ما كان قبله و لكن اسرار الخلاف تجر ويلات و اهوال الاختلاف و " ما عنف الفكرة الا مقدمة لعنف الفعل"

أعتذر على الاطالة و لكنها بعض من كل

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق