ساق البامبو > مراجعات رواية ساق البامبو > مراجعة Ahmed EL-komy

ساق البامبو - سعود السنعوسي
أبلغوني عند توفره

ساق البامبو

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رواية تضيف لحياتك حياة جديدة بمعنى الكلمة، عمل يفوق الإنسانية بهاءً، بعد الانتهاء من القراءة سيراودك سؤال واحد، هل هذه هى حدود الحياة، أم نحن أغبياء؟!،ولكن الأكيد أننا نحتاج إلى العطف، إنسانيتنا تحتاج إلى العطف والمواساة، جميعنا دون استثناء

تنقسم الرواية إلى أجزاء، أولهما هو قسم عيسى قبل الميلاد .. عالم ملئ بالظلم، وصرخات الظلم لا تغادر الحناجر .. طغيان ذكورى مريض، طبقية مُعتمة قاتلة .. يرى عيسى العالم من خلال أمه، وهذا هو الفارق الوحيد بين هذا الجزء والبقية الباقية ..

جوزافين هى المرأة التى ضحت بكل شئ تملكه وهو الشئ الوحيد، سافرت إلى بلاد بعيدة وجاءت فى وقت سئ، وعاشت مع أناس مختلفى الثقافة والخلفية .. تحملت المعاملة السيئة من الجميع إلا راشد، راشد وجوزافين كان بينهم الكثير من السمات المشتركة، وربطت بينهما جسور الود والتوافق، قبل حبال الحب والعشق .. عدم يقين جوزافين من سبب وجوهر رفض المجتمع الذى يعيش فيه راشد لأفكاره، يدل أنها لم تندمج فى هذا المجتمع ولم تحاول أن تعرفه إلا من خلال نافذة راشد .. فهو النافذة الأمنة التى يمكن أن تقف وتشاهد هذا العالم من خلالها .. رأت فى الحفاظ على جنينها الملجأ والملاذ كأختها آيدا معرفة جوزافين الدقيقة بالصور، الأحداث، أصدقاء زوجها ووالد البطل كان دلالة واضحة أنه صارحها بكل شئ وحملها تدخل عالمه من نافذة عالية لترى المشهد كله دون إخفاء، أو تضليل، أو حذف ..

أما راشد هو رشد الذكورة ذاتها، الذكورة التى طغت وتجبرت على مر التاريخ حتى تفسخ معنى الإنسانية، راشد ليس نادراً لندرة الذكور فى العائلة، وإنما لندرة أفكاره فى مجتمع شرقى أصابه الهرم .. هذا هو راشد، وهذا ما يميزه .. راشد هو الصورة المُضادة لوالد جوزافين، ذاك الأب الفاسد المُهترئ من الداخل .. والذى خنع أمامه ابنته آيدا عندما سُرقت منها الأنوثة والرقة على يد والدها الظالم.

رفض أم راشد لزواجه كان لدواعى مكانة العائلة، فهى رفضت دخول حبيبة راشد الأولى

فى القسم الثانى "عيسى بعد الميلاد"، عادت جوزافين إلى عالمها القديم، ورأى لأول مرة عيسى عالمه الجديد .. لم يتغير كثيراً إلا تحسن مالى بسيط كان نتيجة حتمية لعمل جوزافين فى الكويت .. مشكلة الأب كانت كما هى لم تتغير، ما إن رأى عيسى حتى وصفها بالعهر، إلا أنها أخرسته. جوزافين فى هذا الفسم تميزت بالنضج، فهمت الرجال وما يدور حولهم، بالرغم من عدم معايشتها للكثير من الرجال، فقد والدها وراشد وأصدقائه، ولكن اكتسبت منهم خبرة بعالم الرجال، فاستخدمت هذه الخبرة فى التعامل مع والدها.

أتفق تماماً فى ظن عيسى من تعدد شخصيات جده، فهو لا يبحث عن شخصية ما، وإنما يحاول إخفاء الشخصية الحقيقية بكل عيوبها وألامها، لا يخرجها إلا سُكرة الخمر .. بالرغم من عدم تسببه فى سلبية هذه الشخصية، وإنما الحرب التى خاضها، هى من سلبت منه الإنسانية، وأصابته بمرض الذكورة المُتفشية فى عالمنا العربى الأن .. فصدقت جوزافين عندما قالت: "إنها الحرب مازالت مُشتعلة داخله" .. مازلت مشتعلة داخلنا جميعاً ..

بمجرد مولد عيسى وبدأت الاختلافات تعصف بحياة جوزافين وراشد، فالأولى قامت بتعميده، والأخر قام بالتكبير فى أذنه .. فاختلفا من الثانية الأولى من مولد عيسى .. فكان وحيداً يبحث عن الحقيقة مُعتمداً على نفسه، بالرغم من معلوماته المأخوذة من والدته .. فعيسى ولد هجيناً، ليس عربى غنى، ولا فيتنامى فقير معروف الهوية .. ولكن لولا اجتماع جوزافين براشد ما ولد يوماً عيسى .. ربما لذلك برر عيسى تعدد شخصيات جده بمحاولته لإخفاء الحقيقية، فهو يبحث عن شخصيته الحقيقية ولا يسمح بتشبيهه بجده ذاك السكير المريض .. مشهد سرقة عيسى لنصف الدجاجة الكائنة أمام بين السيدة العجوز، لهو مشهد طفولى رائع، لم يفكر عيسى بشر اللصوص، وإنما فكر بدهاء الأطفال الجميل الرائع الخلاب .. رؤية جوزافين (الأم) الكويت كالجنة الموعودة هو خطأ كبير، وجريمة فى حق عيسى فى حد ذاته .. فحتى فى حالة عودته إلى الكويت لن يجد هناك سوى العنصرية والظلم والقبح .. لن يجد أبداً ما يحلم به ويتمناه .. كانت جوزافين تؤمن براشد، تصدق وعده .. ولكنها لا تقدسه، فهى تعرف أنه رجل مميز وسط كل رجال العالم.

فى القسم الثالث بعنوان "التيه الأولى"، أو بالأحرى اليقظة الأولى بدأ عيسى يعى الكثير من حوله، بدأ بالتحرر من قيود كثيرة .. قيد جده، قيد ميرلا، قيد والدته .. قيود كثيرة تحرر منها .. وفهم وأدرك تماماً أنه لا يمكن أن يسامح جده مهما حدث .. القسم ليس بالتيه وإنما باليقظة وإدراك الكثير والكثير فى حياته .. وخاصة بعد اقترابه من الكويت لأول مرة، اقترابه من الحلم الموعود كما تقول أمه، الحلم المجهول كما يخاف هو ..

أكثر ما صعقنى فى هذا القسم أن ميندوزا بدون أب، ابن مجهول الأب كما كان ينعت عيسى، ربما لهذا كان يكرهه عيسى أو يحاول تعذيبه ..

هذا هو عيسى ظهر جلياً فى سيارة الأجرة، عندما سأل السابق عن الصليب وتمثال بوذا .. وحينما رد عليه السائق بسؤال لماذا الصليب المُعلق على عنقه والذهاب للمعبد لم يستطع أن يجيب، لأنه لا يدرك الإجابة من الأساس ومازال يبحث عنها ..

القسم الرابع هو استكمال لتيه عيسى، اليقظة الثانية التى جعلته يقترب من الكويت أكثر وأكثر، ويعرف عائلة أبيه أكثر، هناك عرف حقيقة الأمور، وحقيقة والده، وحقيقة عائلة والده، شاهد الكثير من المعاناة التى تحملتها والدته، وكيف كان يعشقها راشد، دخل من الباب الذى خرج منه وهو صغير طفل مع والده، ودخل المكتبة والتى شهدت مولد بذور العشق بين راشد وجوزافين .. حاول بقدر المستطاع أن يتأقلم مع العائلة ولكن قيود الطبقية حالت دون ذلك، وحولت الجنة الموعودة إلى جحيم من الشكوك والألام. عرف كذلك المدفون فى أعماق ميرلا، حبيبته الشفافة التى لم يتمكن أبداً من مصارحتها، أدرك كيف تعانى، وكيف تتألم .. وإلى أى مدى وصل بها الحد ومجهوداتها لمعرفة ذاتها بعيداً عن أمها ووالدها المجهول. عشقت خولة، تلك الفتاة الذكية، الوريثة الشرعية فى العائلة لاسم والدها، لولا أن الإناث لا تحمل إرث الرجال كما أقرت الذكورة العقيمة، تلك الفتاة التى تحاول بقدر الإمكان تحسين الأمور بين عيسى وعائلة والده، المخلص والشفيع كما تم نعتها فى الرواية، هى سبب دخول عيسى وصبره داخل هذا المنزل الطبقى، أحببت شخصية خولة كثيراً وكنت أتمنى أن يتخلل عيسى كيانها أكثر ليعرفها أكثر، ولكنها كانت من المحرمات، فلا يجب أن يقترب من أحد كثيراً، حتى لا يفتضح أمر العائلة المريضة !!

القسم الخامس، هو قسم التنوير ووصول عيسى إلى أعلى مراتب إدراك العالم الذى حوله، موقف مناظرته مع إبراهيم سلام كانت رائعة ودلالة عميقة على فهمه للكثير والكثير، وخاصة عند تبريره لموقف عن تهدم الجامع بأمواج التسونامى ..

لخص عيسى معاناته فى جملة بسيطة، كانت هى الأوفى حين قال: "كان من الصعب علىّ أن آلف وطناً جديداً. حاولت أن أختزل وطنى فى أشخاص أحبهم فيه. ولكن الوطن فى داخلهم خذلنى. خذلنى موت أبى .. خذلتنى خياة غسان .. جدّتى وحبها القاصر .. ضعف عمتى عواطف .. رفض نورية .. صمت عمتى عند واستسلام أختى" .. عيسى أو خوزيه أو هوزيه، أينما حللت وأينما كنت .. شكراً لك

اقتباسات:

# كل شئ يحدث بسبب .. ولسبب.

# ليس المؤلم أن كون للإنسان ثمن بخس، بل الألم، كل الألم أن يكون للإنسان ثمن.

# إذا صادفت رجلاً بأكثر من شخصية، فأعلم أنه يبحث عن نفسه فى إحداها، لأنه بلا شخصية.

# إنها الحرب لا تزال تشتعل داخله.

# نأخذ من الأديان ما نؤمن به، ونتجاهل ما لا تدركه عقولنا، ونتظاهر بالإيمان، ونمارس طقوساً لا نفهمها، خوفاً من خسارة شئ نحاول أن نؤمن به.

# ليست الحرب هى القتال فى ساحة المعركة، بل تلك التى تشتعل فى نفوس أطرافها .. تنتهى الأولى، والثانية تدوم.

# اللجوء إلى الإيمان، بحد ذاته يحتاج إلى إيمان.

# لا أحد فى هذا الكون يمكنه أن يأخذ مكان الأخر.

# تمنحنا الطبيعة سعادة مجانية.

# كل وجه بحكاياته يبوح.

# نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل.

# لا مكان للصدفة فى أقدارنا.

# للمسافات المكانية أبعاء أخرى نجهلها، يتمدد خلالها الزمن، كلما ابتعدنا بالمسافة يوغل الزمن بالبُعد.

# كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها.

# الأديان أعظم من معتنقيها.

# لم يكتفِ الناس بمعجزات وقعت فى أزمان بعيدة، كانت حكراً على الأنبياء مع نشأة الأديان، ليبحث كل مؤمن مُفترض عن معجزة يؤمن بها، ولا يكتشف إيمانه عنه شئ سوى مقدار الشك فى نفسه.

# العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام عقله، حيث لا مفر من المواجهة.

# العطاء من دون حب لا قيمة له. الأخذ من دون امتنان لا طعم له.

# المرأة بعاطفتها إنسان يفوق الإنسان.

# الغياب شكل من أشكال الحضور، يغيب البعض وهم حاضرون فى أذهاننا أكثر من وقت حضورهم فى حياتنا

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق