مذاق باب شرقي > مراجعات كتاب مذاق باب شرقي > مراجعة مروه عاصم سلامة

مذاق باب شرقي - أحمد قطليش
أبلغوني عند توفره

مذاق باب شرقي

تأليف (تأليف) 3.7
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

لم يكن الأمر كما ظننت ...فلقد حسبت أن ديواناً دمشقياً حديث الولادة هو لابد صورةً أكثر شاعريةً للركام ...توقعت لوحةً داميةً يسّاقط الرصاص على جنباتها وتحفها الألغام ..فباغتتني حينها إحدى حقائق علم النفس: إن البشر غريزياً يميلون إلى تجاهل الحديث عن الأمر الأكثر إيلاماً للنفوس ..كأن تمطر السماء بوابل القنابل ثم يصيح أحدهم شاكياً مرارة القهوة أو تكاثف الغمام ...وكأنه حين يفعل، يثقب فجوة ذاتية في جدار الواقع الغليظ ، تبدو منها البلاد وكأنها مازالت أهلاً للمقام ....فكذلك لن ترى هاهنا جثث قتلى أو بقايا أشلاء فالمقام كله كان حديث حب ..حيث يحتضن (أحمد قطليش) كف ليلاه السمراء ....ليجالسها على حافة تلك الفجوة المطلة على دمشق ...يتبادلان القهوة وأحاديث من غرام بينما يتابعان الرصاص في السماء كسربٍ من يمام ... فقط كان يعنيه أن يكون أكثر دقة من سواه ....فقال منذ البدء : ((بعيداً عن دمشق لا ينضج قلبي بالحب مهما عظم ..ستبقى به فجوة بحجم باب شرقي))...لذا وجب عليّ التنويه!!

ثم إني وجدت ريح (درويش) لولا أن تفندون التراكيب ، وتدققون في الأبيات ، وجدتها حين تفسح القصيدة بيتان أو أكثر ل(الزعتر البلدي) ...ووجدتها في هوس القهوة.. ..ذاك الذي لم ولن تدركه امرأة مثلي لا تشرب إلا مغلي الأعشاب .. كأن يقول (قطليش) في إحدى المواطن : ((القهوة كالحب ..أو أشد بياضاً))..وحين يشار إلى الحبيبة والوطن ب(البلاد) وكأنهما العالم كله أو أرحب ، فيقول : ((وهي البلاد إن اغتربت ..هي العباد)) ، وفي بعض تفاصيل الغزل ، كأن يقول : ((وجهك كالبحر أو أقل قليلاً)) و ((أحبك.. تنحني السنابل أكثر))..وفي هذه الذاتية الهشة : ((وأنا ..أنا المصاب بك ..أهزأ بالوقت وبالموت وبالطلقة ..أتصبب توقاً ))...درويش رحمه الله وكل ما تجود به الرياح من مقامه هو ذكرى عشر سنين ماضيات من صباي ....فأن يمر بناظري في غير عمدٍ منمنمات درويشية المذاق كهذه ..له عندي سعادة أن تدير المذياع فجأة لتجد أغنيتك المفضلة تعدو باتجاهك مع بعض الذكريات.

ورغم أني أحب تلعثم البدايات وخجل المبتدئين ...إلا أني نظرت هنا إلى ( قطليش) وهو يسير الهوينى واثقاً في مقطع من القصيد قد يبلغ الصفحة أو الاثنتان ...قبل أن يقرر مختاراً أن لا يتعدى المقطع الثاني أكثر من سطرين ,..ثم ستلحظ قرب الانتهاء أنه ضرب بالعناوين عرض حائط الاعتياد ..فالقصيدة واحدة أو أشلاء؟؟ ..هذا بالنهاية قرارك!!..يقول مثلاً في متفرقات نثرية وحيدة :

((كلنا لاجئون ، لأن التراب الذي يحتوينا لا يستطيع تحملنا للأبد ))

((الجميع يشتركون في القتل ، حتى الذبابة التي تزعج القناص ، فيقتل شخصاً فائضاً عن رغبته في القنص))

((في موقف الباص أذكرك كثيراً ..لا لتعبئة وقت زائد ..بل لارتباطه بالانتظار))

وكنت أظنني الوحيدة التي وجدت الكثير من الدراما في تلك الحقيقة البيولوجية القائلة بأن خلايا القلب والعقل لا تملك القدرة على الإحلال والتجديد ..يقول قطليش:

((خلايا القلب لا تتجدد كخلايا البشرة أو الشعر أو الظفر

خلايا القلب واحدة متوحدة ..خلايا القلب لا تمسح ..لا شئ يُمسح

وإن كانت الذاكرة تنسى ، القلب لا ينسى ..لن ينسى كل هذي الدماء

ولن يقتل جزءا ممن في القلب ..فيموت))

أما الأقرب لقلبي من كل الديوان ..فكانت هذه الأبيات :

((وجهكِ فضفاضٌ علي لا أعرف كيف أتلبسه

أتخبط به كقطٍ سقط ببركة ماء باردة

وجهكِ يحنو عليّ كشالٍ دمشقيّ عتيق

يا وجه أمي يا رقيق

وأرجف من وجه أمي الحزين ...كرجف حمام تبلل

وأخفي ارتجافي ، وأخجل حين تصلّين وحدك للعدو وللولد

أمي تصلي للبلد

عبثاً نصلي للطغاة وللدماء

أمي تصلي للبلاد إلى السماء ))

نعم أهوى جمع الألفاظ وبعض العبارات، أمارسها حتى في أوقاتٍ تنوء بالتعب ، فوضعت هنا علامات بجوار المقاطع المتفرقة التالية :

((ونامي ..نامي إذا ما استطعت اقتطاف الرصاص المتشبش في البال ..في البال أغنية نامي ...لأفرشها بيني وبينك ...فما بيننا موت أكثر))

((نامي قليلا عليك السلام ))

((ونضحك من كذبنا ..كم لنا لم ننم بسلام! ))

((وأصمت كما أي شئ ..ولست أنام))

((وجهك ما يبقى لي الآن حين تنام البلاد على نفسها في عراء ))

((تعالي نعدّ الرصاص على أنه خراف النعاس لنومة كهفٍ))

((ولا أنام ...وكيما أنام ، أعد تفاصيل البلاد خيبة ..خيبة))

((أعيدي لي الآن خفقة دفءٍ أهدهد قلبي الذي يتسع ...وبعض النعاس ..قليل من النوم ..كثير من النوم ....فأرقى السماء))

((تعالي ننام كثيراً ..تعالي))

((نامي قليلاً لتصحو على رجعها الروح من نخلة عاقرة))

((نامي لتتحرر كل الضحكات التي خبأتها عني بلؤمك))

((أهزّ لها البحر كي تستفيق...تهزّ لي الغيم كيما أنام ))

((قلبي ظل لا يحتاج الضوء ليولد ..ظلي أفرده ..أمد عليه شقائي ...أرجف ، أتدثره ، أنام ))

((لكن حفنة الثقة تلك لن أهبها إلا لموتي ...أغمض بها عين البصيرة فأنام ..أنام ..أنام ))

وبينما أترجل من باص العمل عائدة لمنزلي وأنا أجوّع ما أكون إلى ساعتي نوم، أسمع الصوت في نفسي قائلاً بإصرار : فقط تذكري أن تلومي الكاتب على كل هذا القدر من الغفوة والنعاس ...أستيقظ اليوم نشطة لأعيد قراءتها مجمعة وعلى وجهي ابتسام ..لأسمع نفس صوت البارحة يقول اليوم معاتباً : بأي ساعات الحياة ياترى تكون لنا القدرة على ليّ ذراع الواقع ...تكبيله في زنزانة فردية لنحقق الأحلام ؟؟ ...فليحيا إذن المنام ..ودعيه ينام!!

ملاحظة خاصة :

باقتا شكر أرسل واحدة منها إلى زميلنا الشاعر (أحمد قطليش) ، على وليده الأدبي الجميل هذا وأعلم أن القادم منه أجمل وسأنتظره ،..أما الأخرى فهي للصديق (هاني عبد الحميد ) ..والذي دلّني على الجمال مرتين ...واحدة حين عرفت من خلاله موقع (أبجد) العربي الحميم ..والأخرى حين تكبد العناء باسماً ليهديني هذا الديوان ... والدّال على الجمال عندي كفاعله.

Facebook Twitter Link .
9 يوافقون
7 تعليقات