دين ضد الدين > مراجعات كتاب دين ضد الدين > مراجعة مروه عاصم سلامة

دين ضد الدين - علي شريعتي, حيدر مجيد
أبلغوني عند توفره

دين ضد الدين

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

لا يعنيه هنا سرد بكائية على دينٍ مهزومٍ منذ زمانٍ بعيد .....ويوقن أيضاً أن التهليلة في زمان النصرهي ناقوسٌ للقيامة قريب...أراد فقط أن لا يُبعث مع الحمقى فقرر أن يتأمل ساعة النزال وجوه الخصوم ..فلم يكن الانتصارللإلحاد كما كانوا يلقنونا صغار.. بل كان ديننا هو الغالب ...وللغرابة ديننا كان هو أيضاً المهزوم!!...فالملحدين يا عزيزي على مر العصور لم يكن لهم إلا مقاعد المشاهدين ..ولم يتخذوا هم وأرباب الفجور دولاً في التاريخ أو مدائن .. نحن فقط على ما يبدو من كنا رهائن لهذا ((التصور الساذج)) كما سماه علي شريعتي....وحين يصرخ التاريخ منذ قدوم الأنبياء والأولياء والصالحين صداحاً يقول: لايفلّ الدين إلا الدين ..فنحن إذن الصمّ البكم العميّ الذين لا يعقلون.

يضرب علي شريعتي مثلا من الماضي فيقول : (( تؤكد لنا القصص الواردة في التوراة والكتب المرتبطة بها وكذلك القرآن أن أعتى قوة جابهت رسالة النبي موسى عليه السلام وألحقت بها أشد الضربات هي حركة (السامري) والذي يُحكي عن تاريخياً بأنه ((لم يكن إنسانا لا دين له بل كان مبلغا للعقيدة وداعية للدين)) أما بلعم فلقد كان (( صاحب أعلى مقام ديني في زمانه وكان كعبة المتدينين وعموم الناس في ذلك الوقت ومع ذلك فقد نهض لمعارضة موسى النبي مستغلا إيمان الناس به مما أدى إلى إنزال ضربا مؤثرة بدين التوحيد ورسالة موسى ))

أما نزال الحاضر فيراه بين شقيقين لنفس الدين.. عقد بينهما مقارنة مفصلة ..هما كما أطلق عليهما ((الدين الثوري والدين التبريري)) ..أما الأول فقال عنه : ((هو دين يغذي أتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة مادية ومعنوية ويكسبهم شعورا بالمسؤلية تجاه الوضع القائم ..إن السمة الأساسية لهذا الدين التوحيدي أنه يتفادى تبرير الوضع القائم تبريرا دينيا ولا يؤمن بمبدأ الأمر الواقع أو اتخاذ موقف الامبالاة حيال ما يحيط به ..أمعنوا النظر في جميع الأديان ..موسى مثلا نهض بوجه الأقطاب الثلاثة : قارون أكبر رأسمالي في زمانه ..وبلعم بن باعورا ممثلا لأكبر شخصية دينية انحرافية وفرعون الذي بيده القدرة السياسية لذلك العصر )) ولا حاجة للقول بأن الدين التبريري هو عكس ذلك وهو ما رآه شريعتي بعد تبيانه وتفصيله سبباً جوهرياً لئلا نرجم المستنيرين القائلين يوما بأن (( الدين أفيون الشعوب )) بل سنفهم أي دين يقصدون.

ثم يؤكد المعنى قائلا : ((إن الدين لم يقف بوجه الإلحاد بقدر وقوفه بوجه الدين ..بلى كان الدين على مر العصور في صراع دائم مع الدين نفسه ..لقد وقف دين التوحيد الذي يرتكز على وعي الإنسان وبصيرته وعشقه وحاجته الفلسفية الفطرية بوجه دين الشرك المنبثق من جهل الناس وخوفهم ولهذا نرى دين التوحيد دينا ثوريا على مر التاريخ))

ولتعرف قبلتك عليك أن تعيّ الآتي : (( أن في التوراة والإنجيل وفي القران نرى الله تعالى والناس في جبهة واحدة ..أي أننا نستطيع استبدال كلمة الله بكلمة الناس أو العكس في جميع الآيات القرآنية التي تعالج المسائل الإجتماعية والسياسية والاقتصادية لا المسائل الفلسفية والعلمية مثال ذلك الآية الكريمة : ((إن تقرضوا الله قرضا حسنا )) فهل تعني هذه الآية إحتياج الله وهو الغني عن العالمين بل المقصود هم الناس وهذا التقارن مشهود في جميع الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تعالج المسائل الاجتماعية والمراد أثبات أن الله تعالى والناس يقفون في صف واحد وجبهة واحدة ))

ومطالبا بقليل من التأمل يقول : ((طالما كررت هذا السؤال على طلبتي في درس تاريخ الإسلام والسؤال يقول أن شخصين أحدهما رسول الله (ص) والاخر الإمام علي كرم الله وجهه أرادا أن ينشرا الدين في مجتمع واحد فلماذا خرج رسول الله (ص) منتصرا ولم يخرج الامام علي رضي الله عنه ؟؟... بعبارة أخرى علينا أن نبحث عن عامل لم يكن موجودا في زمن الرسول وكان موجودا في زمن الإمام )) ثم يجيب فيقول : ((لقد كان دين الشرك سافرا وصريحا في زمن الرسول ..فكان الانتصار عليه ممكنا ..أما الإمام علي فإنه لم يشهر سيفه على قريش المشركة التي تدافع عن الأصنام بل شهره بوجه قريش المسلمة التي تدافع عن الكعبة ....قريش لم ترفع المعلقات السبع في وجه القرآن بل رفعت القرآن على الرماح ...ثم يستشهد بمقولة الحكيم رادها كريشنان : ((إذا ارتدى الزور والمكر لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ))))

كان (علي شريعتي) يكتب في بداياته باسم (أبو ذر الغفاري)..وكثيرة هي مواطن إعجابه بهذا الصحابي الجليل في الكتاب.. ليس فقط للومه عثمان ابن عفان وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما في زمانهما وهوما لا تنفيه كتب السنة وتشدد عليه بالتأكيد كتب المذهب الشيعي الذي ينتمي إليه شريعتي ..بل أيضا لطبعٍ ثائر تميز به (أبو ذر) رضي الله عنه وأرضاه ..راقني منها هذا الموضع : (( أبو ذر وجه الإسلام الطاهر الكامل لم يكن يملك شيئا لا مالا ولا منالا ولا ثقافة يقول : ((عجبت لمن لا يجد قوتا في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه )) عندما كنت أتحدث بهذا في أوروبا ولا أذكر اسم صاحبه كان البعض يتصور أن هذا الكلام هو ل(برودن) لشدة تطرفه أو كان البعض يظن أنه من كلام (داستا يوفسكي) الذي يقول : ((إذا حدثت جريمة قتل في مكان ما فإن أولئك الذين لم يكن لهم أي اشتراك في هذه الجريمة ستكون أيديهم ملطخة بدم القتيل أيضا )) إن أبو ذر لم يقل يخرج على من سبب له الفقر بل يقول كيف لا يخرج على الناس كل الناس ؟ لماذا ؟ لأن كل من يعيش في هذا المجتمع ولم يكن من المستثمرين فإنه مسؤول عن الفقر والجوع كما هو مسؤول إلى درجة يكون فيها عدوا مهدورا للدم ))

الجزء الثاني والثالث من الكتاب هو خطاب للمقهورين ومستضعفي الأرض سواء منهم الراحلين او الباقين أحياء ...كان يراهم في سفراته إلى اليونان وكمبوديا وفيتنام والصين ومصر حيث كره المباني الشاهقات والأسوار العظيمة والأهرام الشامخة لأنها لا تعني سوى ((الحقد والقمع والتنكيل والاستغلال وأسر البؤساء ومصّ دمائهم ))..ليبتنوها لهم تارة أو ليأخذونهم لحرب مجهولة تارة أخرى تلك التي يصفها قائلا بأنها : ((اشتباك بين فريقين لا يعرف أحدهما الآخر)) ..ورغم ذلك تعلم من مشاهداته كيف يقرأ فلسفة العمران والتي تضع قبر الضحية بجانب الجلاد على الدوام كأخاديد قبور العبيد قرب الأهرام وكقبر الإمام الرضا الشهيد قرب هارون الرشيد بمدينة طوس والتي كتب عنها مرثية نثرية لا تتعلق بالمذاهب بل بمحاولة قراءة التاريخ من جدران المساجد وقبور الشهداء.

ولأنها مجموعة محاضرات لتلاميذه ب(حسينية الإرشاد) فلقد احتوت بجزئيها الأخيرين على نقاش وانتقادات بينه وبين تلاميذه كان من بينها نقاشات تتعلق بأمور تخص معتنقي المذهب الشيعي كولاية الإمام علي وأحقيته بالإمامة والخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) ..وخشيت حينها من أن يعتريني كامرأة سنية شعور بالاغتراب أوأن أحمل في نفسي شيئا اتجاه (علي شريعتي) غير المحبة و التقدير الشديدين .. ولكن حين تقرأ أن من بين هذه الانتقادات مثلا أنه استند في كتابيه (معرفة الاسلام ) و(محمد خاتم الأنبياء ) إلى كتب السنة ك(سيرة ابن هشام ) و(تاريخ الطيري) وليس كتب الشيعة ..وأن من بين ما دافع به عن نفسه في ذلك أنه أراد أن يرى النبي (ص) من أقرب فاصل زمني ومن مصدر يثق بصدقه ..كما أنه يرى أن ذلك يقرب المسافات بين السنة وأخوتهم من الشيعة ..وكذلك رده على اتهام البعض له بعدائه للتشيع لكتاباته المحايدة والرصينة فلقد أصر بحدة شديدة على أنه يرفض الحديث في مسألة الولاية على أساس ((التهريج والسب والشتم والافتراء والاستناد إلى أمور تتنافى مع روح الاسلام والتشيع والعقل السليم وتسبب الإساءة للشيعة وهنك حرماتهم)) ..حين تقرأ ذلك وأكثر ستفهم إجابته الباسمة لتلميذه الذي سأله عن سر ميله لتدريس تاريخ الديانة البوذية وإعجابه بمبادءها فقال ضاحكا: ((نعم فأنا سني المذهب ..صوفي المشرب ..بوذي ذو نزعة وجودية ..شيوعي ذو نزعة دينية ..مغترب ذو نزعة رجعية ..واقعي ذو نزعة خيالية ..شيعي ذو نزعة وهابية وغير ذلك اللهم زد وبارك )) رحمه الله

في هذه اللحظة يفيض بداخلي ينبوع امتنان للكتب ..كل الكتب ...فكلما قرأت وجدتني صمتّ وأنا أرقب يد الله في كل نزال بين حق وباطل.. وبين باطل وباطل.. وهي ترفع أقواما وتذلّ أخرين...وكلما تركت نصيبي من غنائم الفرح ومواريث الجدال فعلمت أني كبرت ...وأن الدنيا كالشمس إن أقبلت بوجهها على نصف من الارض فالظلمة نصيب نصفها الاخر.. ..وأيا كان موقعك من النصفين فوصية الله لك نور : ((لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )).

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
2 تعليقات