كرة القدم في الشمس والظل > مراجعات كتاب كرة القدم في الشمس والظل > مراجعة إشراق الفطافطة (Ishraq Abdelrahman)

كرة القدم في الشمس والظل - إدواردو غاليانو, صالح علماني
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هل تعلم أن ألبير كامو كان حارس مرمى فريق كرة القدم في جامعة الجزائر!!

يقول ادواردو غاليانو "في 1930 كان ألبير كامو ھو القديس بطرس الذي يحرس بوابة مرمى فريق كرة القدم بجامعة الجزائر. كان قد اعتاد اللعب كحارس مرمى منذ طفولته، لأنه المكان الذي يكون فيه استھلاك الحذاء أقل. فكامو، ابن الأسرة الفقيرة لم يكن قاردراً على ممارسة ترف الركض في الملعب: وكل ليلة كانت الجدة تتفحص نعل حذائه وتضربه إذا ما وجدته متآكلاً"

أبدع إدواردو غاليانو في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل" بنقل مباريات كرة القدم بشكل حي ومباشر عبر صفحات الكتاب فأنت لست أمام عاشق للدائرة المستديرة فحسب بل باحث سبر أغوار كرة القدم ليضعك أمام توليفة رائعة لا تشكلها أرجل 22 لاعب داخل المستطيل الأخضر فحسب بل كصناعة وعالم أعمال قائم على الربح والخسارة المادية أيضاً.

تتميز كتابة غاليانو -كما لاحظته بكتابات أخرى- بفقرات معنونة كل فقرة مكتفية بذاتها قادرة على ايصال معنى بكلمات سهلة الهضم وذات بناء فني جميل وهو ما لم أكن أتوقعه في كتاب عن كرة القدم!! وكان لأصله الأورغواني وهذا العشق الفطري للمستديرة الأثر الأكبر في ايصال تلك الحماسة التي تشعر بها لو كنت تشاهد مباراة كرة قدم بشكل حي ومباشر. ومما زادها جمالاً على جمال، عدم اكتفاء غاليانو بشرح مكونات وتفاصيل كرة القدم آخذاً إيانا في رحلة منذ مونديال الأورغواي 1930 الى مونديال 1994 في الولايات المتحدة بل تأريخه لأحداث سياسية وأدبية وثقافية جامعاً بين الأسلوب التقريري والأسلوب الساخر. كتكراره في الكثير من فقرات الكتاب على: "مصادر شديدة الإطلاع في ميامي تعلن أن سقوط فيدل كاسترو صار وشيكاً، وأن انھياره ھو مسألة ساعات فقط."!! بل استطاع أن يوصل ببساطة شديدة كيف تحولت كرة القدم من لعبة الى صناعة تديرها الفيفا وكيف أصبحت وكراً لاحتكار اللاعبين وحقوق البث وحتى وسيلة لجلب الأموال الطائلة عن طريق الدعاية والرعاية للأندية واللاعبين.

ومما زاد من حماستي وتقديري لهذا الكتاب تلك الواقعية التي كان يصف بها كرة القدم وعناصرها من لاعبين وحكام وجماهير، الخ... فهو لم يزينها كأنها عالم مثالي نزيه خالٍ من الأخطاء بل كان توصيفه انسانياً صرفاً ويكأنه أحد الأصدقاء جالس بجانبك وتتناقشان في أداء هذا اللعب أو أن الحكم قد أخطأ في احتسابه خطأً هناك وأقتبس:

1. اللاعب:

"يركض لاھثاً على شفير الھاوية. في جانب تنتظره سماوات المجد، وفي الجانب الآخر ھوة الدمار."

"- ھذا لا يمكنه أن يسجل ھدفاً حتى في ملعب يميل نزولاً.

- ھذا؟ لن يسجل ھدفاً حتى ولو قيدوا له يدي حارس المرمى."

2. حارس المرمى:

"إنه وحيد. محكوم عليه بمشاھدة المباراة من بعيد. ينتظر وحيداً إعدامه رمياً بالرصاص بين العوارض الثلاث."

"الحشود لا تغفر لحارس المرمى. أقفزَ في الفراغ؟ أكان مثل الضفدع؟ ھل أُفلتت منه الكرة؟ أأصبحت اليدان الفولاذيتان حريراً؟ بخطأ واحد فقط يدمر حارس المرمى مباراة كاملة أو يخسر بطولة، وعندئذ ينسى الجمھور فجأة كل مآثره ويحكم عليه بالتعاسة الأبدية. وتلاحقه اللعنة حتى نھاية حياته."

3. المعبود:

"يُبھج المراعي، يلعب ويلعب في مجاھل الضواحي الھامشية إلى أن يخيم الليل ولا يعود قادراً على رؤية الكرة، وفي سنوات شبابه يطير ويُطيِّر في الاستادات."

"ولكن المعبود يبقى معبوداً لبرھة وحسب، أبدية بشرية، شيء لا يُذكر؛ فعندما تحين ساعة النحس للقدم الذھبية، يكون النجم قد أنھى رحلته من الوميض إلى الانطفاء. يكون قد تحول إلى ھذا الجسد الذي يضم رقعاً أكثر من بدلة مھرج، ويصبح الأكروباتي مشلولاً، والفنان بھيمة: آه، ليس بحافرك!"

4. المتعصب:

"ھو المشجع في مشفى المجانين. يصل المتعصب إلى الملعب ملتحفاً راية ناديه، ووجھه

مطلي بألوان القميص المعبود، مسلحاً بأدوات مقعقعة وحادة، وبينما ھو في الطريق يكون قد بدأ بإثارة الكثير من الصخب والشجار. وھو لا يأتي وحده مطلقاً."

5. الحكم:

"إنه الطاغية البغيض الذي يمارس دكتاتوريته دون معارضة ممكنة، والجلاد المتكبر الذي يمارس سلطته المطلقة بإيماءاتِ أوبرا."

علينا أن نعترف أخيراً أن كرة القدم لم تتطور الى هذا الحد الا بفضل الفقراء والعمال الكادحين الذين وجدوا فيها فرصة للتعبير عن ذاتهم حين تغيب كل تلك الفوارق الطبقية أثناء الركض خلف تلك الكرة وامتاع الجماهير المتحمسة لوجبة دسمة من الأداء المبدع والفن الذي لم يكن ليصل الى درجة الامتاع لولا الخروج عن التقاليد الانجليزية والأجنبية (الأوروبية) القديمة للكرة الى سحر المهارات الفردية والاكروباتية للبرازيليين والأورغوانيين (أمريكا الجنوبية بشكل عام).

كانت كرة القدم قديماً حكراً على الشباب الأغنياء الذين وجدوا أنفسهم فيما بعد يلعبون أمام طبقة البروليتاريا والكادحين "نحن الذين لنا مكانة في المجتمع نجد أنفسنا مضطرين إلى اللعب مع عامل، أو مع سائق... فممارسة الرياضة آخذة بالتحول إلى عقوبة، إلى تضحية، ولم تعد متعة على الإطلاق"!! وربما هي المجال الوحيد الذي اتفقت فيه طبقة المثقفين الأرستقراطيين واليسار فترى المثقفين يتحدثون عنها قائلين "فالغوغاء المصابة بمس كرة القدم تفكر بأقدامھا، وھذا من خصائصھا، وفي ھذه المتعة التبعية تجد نفسھا. فالغريزة البھيمية تفرض نفسھا على الجنس البشري، والجھل يسحق الثقافة، وھكذا تحصل الدھماء على ما تريده."!! أو اليسار قائلين "أنھا تخصي الجماھير وتحرفھا عن النشاط الثوري. خبز وسيرك، سيرك دون خبز: فالعمال المنوّمون بالكرة التي تمارس عليھم سحراً خبيثاً، يصابون بضمور الوعي، ويتيحون لأعدائھم الطبقيين أن يسوقوھم كالقطيع."

هذا الكتاب بالنهاية هو وجبة دسمة لعشاق وغير عشاق كرة القدم تجد فيها كل ما لذ وطاب من فن جميل وذكريات رائعة من الزمن الغابر لأبطال أمثال بيليه وبيكنباور ومارادونا وايزيبيو وغيرهم الكثير من الأسماء التي لم تنصفها الآلة الاعلامية ولحظات صنع الأهداف التاريخية التي تبقى بالذاكرة ولا ننسى تطور كرة القدم وما واجهته من صعود وهبوط على مر التاريخ على أيدي عظماء الكرة ورجال الأعمال!!

------------

ما بين علامتي التنصيص مقتبس من نص الكتاب

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
7 تعليقات