الله > مراجعات كتاب الله > مراجعة مروه عاصم سلامة

الله - عباس محمود العقاد
أبلغوني عند توفره

الله

تأليف (تأليف) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في درب هذا الكتاب كان لي غاية فانتهيت إلى أخرى..أماغاية البداية فكانت جوع الهزيل لتكرار الاسم الجليل مرات بعد مرات وبأي سياق كان ...ولأني أبداً لم أقترف قتل الاكتشاف بمطالعة فهرس كتاب، فلقد كان كافياً لاستدراجي إلى هذه الصفحات ما كان قد اختير لها من عنوان...وكجائع نفس لم يتبقى له من علامات الهزال الروحي سوى ضمور القلب ظللت أمنّي هذه النفس الواهنة بمثل هذه الكلمات: كان الله ..فخلق الله.. ..قال الله ففعل الله ..وعد الله فصدق الله... أمر الله فهدى الله..غضب الله فرحم الله ....أحيا الله فأمات الله ثم بقي الله .....فأنا لا أريد هداية من عاش حتى رأى نصف البشرية مضرجاً بالدماء فعرف الله ....بل أريدها هداية من أيقن أن الكلمة الطيبة ..الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء هي (الله) ، فظل يسقي الغرس بالذكر ويظلّ النفس باليقين في غير انتظار للثمر حتى صار القبر أول مواسم الحصاد.......جميلة جداً هذه الفكرة أليس كذلك ؟؟ بل مذهلة !! تصفيق حاد أرجوكم للنفس التي لا تسأم خداع الذات بالذات !! فلو كان أمر الهدى بالتكرار اللفظي فلما لم تفعلها الصلاة ولا يخلو ذكر الله من سجودها والقيام ؟؟ ولكنّا أسمعنا الظالمي أنفسهم إذاعة القرآن الكريم وهم نيام فأصبحوا متقين !..ولآمن من في الأرض كلهم أجمعين !!...وبالتأكيد لم يكن للعقاد شأن بما ظننت وما أريد ..فلقد كان يعرف غايته منذ الصفحة الأولى، معللاَ في كتابه هذا جوع الروح للعبادة ..ومحللا حاجة العابد للمعبود..و مؤرخا ما كان في قلوب البشرية بما يمكن أن تسميه أنت (السيرة الإلهية) او كما سماه هو ((تاريخ اليقين)).

كدت أنفر من الكتاب في البداية قدر نفوري مما يسمى بعلم ((مقارنة الأديان)) والذي قد تأخذ بعض المنتسبين إليه حماسة العصبية ليظن أن وقفته ندّا أمام آخر في إحدى المناظرات هي إحدى مساعي هداية الآخرين ، وكأن أحدهما أو كلاهما قادر بالمنطق وحده أن يفسر معجزات معتقده والتي يراها الآخر خرافات تماماً كما يرى هو مقدسات ندّه أساطير..وقلما وجدت من علمائه من استطاع أن يبقي لنفسه قلباً سليماً كان أولى أن يلقى الله به ....ولولا وجه (أحمد ديدات) الجميل وابتسامته السمحة لاجترأت على القول بأن هذا الضرب من العلوم شرٌ كله ..فإن كنت لابد داعٍ إلى دينك على ملأ فلتدعو وحدك هادئا باسما ، ثم بنفس الهيئة تولي راحلاً غير عابء إن تبع رحيلك زهور الحاضرين أو نعالهم....ولكن إن لم أجترأ أنا بالنقد لجهالتي فلقد إجترأ العقاد بعلمه قائلا: ((وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان على كثير من الضلالات والآساطير التي آمن بها الإنسان الأول ولاتزال لها بقية شائعة بين القبائل البدائية أو بين أمم الحضارة العريقة ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شئ غير ذلك)).

مممم طيب!! والآن عندما يسير بك العقاد بين فصول الكتاب المتتالية متحدثاً عن الوثنية عند الإنسان الأول ثم عبادة الأسلاف والشمس عند الفراعنة القدماء ثم البوذية في الهند والمجوسية بأطوارها عند بلاد فارس وعبادة آلهة الأوليمب عند الإغريق ثم يرحل بك إلى تأملات الفلاسفة اليونانين في عصور ما قبل الميلاد لحقيقة الوحدانية ثم يدلف من ذلك إلى الديانات السماوية واحدة تلو الأخرى ...بعد كل ذلك حتما ًستجد السؤال يقتحم عليك تركيزك ما بين كل فصل وآخر ... قائلا (وماذا يفعل العقاد الآن سوى ما انتقده منذ آن ليس ببعيد؟؟) ..ولن تكون هذه العبارة الغارقة بين أسطر الصفحة 118 كافية لإرضائك حيث يقول رحمه الله ((ونحن هنا لا تعنينا مقارنات العقائد إلا من جانب واحد وهو جانب التطور البشري في إدراك صفات الله )) بل ما سيرضيك حتى النخاع سيكون أدبه الجمّ في السرد ..سواء في ذلك إن كان السياق عن معتقد لعبادة العجول و الأحجار أو عبادة الله الواحد القهار ....فلقد حصر دوره منذ البدء كمصور فوتوغرافي شغوف بالصورة الوجدانية (لله ) في النفوس الإنسانية .تاركاَ النقد حظاً للمشاهد...و التسفيه هبة للعميان.

كانت هذه المقاطع مما استوقفني عند بعض الديانات:

فبعد تأكيده أن الديانة الشمسية كانت دوما تسبق فكر التوحيد على مدار العصور ,,وبعد ذكره لكل انواع العقائد التي تواترت على المصري الأول يقول ((أما أثبت العبادات وأعمها وأقواها وأبقاها إلى آخر العصور فهي عبادة الموتى والأسلاف دون مراء، فإن عناية المصري بتشييد القبور وتحنيط الجثث وإحياء الذكريات لا تفوقها عناية شعب من الشعوب ، وقد بقيت آثار هذه العبادة إلى ما بعد بزوغ الديانة الشمسية)) و طبعا يمكنك أنت أن تضيف مطمئنا (وإلى ما بعد الديانة المحمدية ) أيضاً !! ثم يستطرد قائلا في موضع آخر ((وعبادة آتون هي أرقى ما وصل إليه البشر من عبادات التوحيد في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، فلم يكن المراد بأتون قرص الشمس ولا نورها المحسوس بالعيون ولكن الشمس نفسها كانت رمزا للاله الواحد الأحد المتفرد بالخلق في الأرض والسماء )) وكان أول من دعا إليها الفتى الملك (أخناتون ) والذي كان معروفا بكثرة الخلوة والتأمل وكان حالما لطيف النفس لا يخلو من عناد ..وستجعلك سيرته للتبشير بالتوحيد والتحذير من الوعيد تجلّه في نفسك وكأنه كاد أن يكون رسولا ً ..وهذه إحدى صلواته المكتوبة والتي يصف فيها إلهه قائلا :

((فهو الحي المبدئ الحياة ، المالك الذي لا شريك له في الملك ، خالق الجنين وخالق النطفة التي ينمو منها ، نافث الأنفاس الحية في كل مخلوق ، بعيد بكماله قريب بألائه ، تسبح باسمه الخلائق على الأرض والطير في الهواء ، وترقص الحملان من مرح في الحقول فهي تصلي له وتستجيب لأمره ، ويسمع الفرخ في البيضة دعاءه فيخرج إلى نور النهار واثباً عى قدميه قد بسط الأرض ورفع السماء وأسبغ عليهما حلل الجمال وهو ملء البصر وملء الفؤاد وهو هو ملء الوجود وواهب الوجود وشعوب الأرض كلها عبيده لأنه هو الذي أقام كل شعب في موطنه ليأخذ نصيبه من خيرات الأرض ومن أيام العمر في رعاية الواحد الأحد آتون ..إذا ما هبطت في افق المغرب أظلمت الأرض كأنها ماتت))

وقد تحدثك نفسك بأنه لا يناجي(الله ) بل يقول (آتون ) ولكنك ستتجاوز هذه الفكرة عندما تصل إلى شرح العقاد في إشكالية الأسماء هذه قائلاً بثقة ((وقد كان عرب الجاهلية مثلا يعرفون اسم الله كما نعرفه اليوم ولكن الله الذي وصفوه والله الذي وصفه الإسلام لا يتشابهان بغير الحروف ، وبينهما من الفارق كما بين أبعد الأرباب وبعض )).

أما في العقيدة البوذية والتي بدأت مع (جوتاما) قبل الميلاد المسيحي بحوالي خمسة قرون وهي أيضا من الديانات التوحيدية والتي تؤمن بإله واحد لا شريك له غير أنها تؤمن بالحلول والاتحاد أي أن الخالق قد يحل في أحد خلقه فيكسبه بعضا من قداسته ..كما يؤمنون ((بالدورة في وجود الكون والدورة في وجود الإنسان فالكون يتجدد حلقة بعد حلقة والإنسان يتنقل في جسد بعد جسد وسلسلة الكون ليس لها انتهاء وسلسلة الحياة الإنسانية قد تنتهي إلى السكينة أو إلى الفناء )) ..وليس خافياً للكثيرين المبادئ الراقية التي تنص عليها البوذية وأفكارها العميقة المعنى والتي ذكر العقاد في سياقها الكثير ...منها مثلا هذا الاعتقاد القائل ((إن الناس يؤمنون بالثنائية فيؤمنون بأن الشئ إما كائن وإما غير كائن ، ولكن الناظر إلى الأمور بعين الصدق يعلم أن الرأيين طرفان متطرفان وأن الحقيقة وسط بين الطرفين )) وأن سر الشقاء هو التعلق بكل ماكان له (لعنة الفناء) وأنك قد تصل إلى ال(النرفانا) وهي السعادة السرمدية في حياتك متى قطعت حبل هذا التعلق.

خالجني بعض من خزي الجاهل عندما علمت أن المجوسية في طورها الأول مع (زرادشت) كانت تعد من أهم الديانات التي نادت بتوحيد الإله وأن الله كما قال العقاد في مذهب زرادشت ((موصوف بأشرف صفات الكمال التي يترقى إليها عقل بشري )) بل أنه أيضا ((أنكر الوثنية وبشر بالثواب والعقاب وجعل الخير المحض من صفات الله )) غير أنه فقط ((قدس النار على أنها هي أصفى وأطهر العناصر المخلوقة لا على أنها هي الخلاق المعبود))

أسرف قليلا في بيان ما آلت إليه الديانة المجوسية متأثرة بالديانات السماوية والصراعات السياسية في بلاد فارس وبابل ..قبل أن ينتقل إلى الإغريق ليؤكد لك أنه لابد في قدر كل أمة امرءاً واحدا يبشرها بالتوحيد ..فعندما عدد اليونانيون الأرباب فجعلوا (جيا ) للأرض و(كاوس) للفضاء ..(وإيروس ) للتناسل ..ثم نصبوا على رأسها جميعا (زيوس ) ربا للارباب ...ظهر (أكسينوفون) قبل الميلاد بستة قرون ليجادل قومه داعيا إياهم لعبادة الاله الواحد المنزه عن الأشباه قائلاً ((إن الحصان لو عبد إلها لتمثله على صورة الحصان وأن الأثيوبي لو تمثل إلها لقال أنه أسود الإهاب ، وأن الإله الحق أرفع من هذه التشبيهات والتجسيمات ولا يكون على شئ من هذه الصفات البشرية بل هو الواحد الأحد المنزه عن الصور والأشكال ، وأنه فكر محض ينظر كله ويسمع كله ويفكر كله ويعمل كله في تقويم الأمور وتصريف أحكام القضاء ))..لن يفوتك وأنت تقرأ أن اجتمع للكل كما للأنبياء العناء والنهايات الحزينة .

ستشعر بنبرة العقاد تعلو وتحتد على دعاة الالحاد خاصة ثم على أصحاب المذاهب الباطلة وهو يفند بعض النظريات الشاذة في صفات الله كجدليات (هل الله سبحانه ذات واعية أم معنى مطلق)؟ ومحاولة تقييد هذه الذات بصفات تدركها الحواس المادية ..او جدلية القول (بأن الله لا يعلم الجزئيات لأنه يعلم أشرف المعقولات فقط ) وغيرها ..ولأنه مما لا يمكن حصره بحديث وجدت رده هذا كافيا لها جميعا ((إن الدين لم يكن أصدق عقيدة وكفى بل كان كذلك أصدق فلسفة حين علمنا أن الله جل وعلا ((ليس كمثله شئ)) فكل ما نعلمه أنه جل وعلا (كمال مطلق) وأن العقل المحدود لا يحيط بالكمال المطلق الذي ليست له حدود وليس لهذا العقل أن يقول للكمال المطلق كيف يكون وكيف يفعل وكيف يريد))...ولعله رد لا يكفي سوى الموقنين ولكن في بحر هذا الكتاب لمن أراد ما يكفيه ويزيد.

أما غاية النهاية مع هذا الكتاب فهي إيقاف إحدى مهاراتي الفكرية القبيحة تلك التي تهبني القدرة على القراءة عن التوبة بينما أسرح في جماليات الحب المنقطع الرجاء ولا أضيع السطر ..وأشاهد تقريرا تتناثر فيه أشلاء القتلى من الشاشات وأفكر بأن اللحم سيكون افضل على الغذاء ولا أنسى الرثاء...وأقرأ كتابا عن الزهد وأحدث نفسي بأنه سيكون أمتع لا شك لو كان على ذاك ال(تابلت )الحديث ولا يفوتني البكاء ..فينهي عقلي الليلة الواحدة إما خائراً كمن عاش يومين ..او حائراً كمن سقط منه يومه....فكل ما أفعله وأقرأه بيني وبينه أمداً بعيدا ً وإن كان بين يديّ قريب ....اما هذا الكتاب فجماله كان الاستغراق الكلي ..ذكرني بما شعرت به قبلا عند مشاهدتي لأحد الأفلام الوثائقية التي صورت بيوم واحد ..كانت مشاهد متلاحقة التتابع متباعدة المواقع لرهبان بوذيين يؤدون المناسك بينما يطوف مسلمون حول الكعبة في نفس اللحظة التي يتلو فيها القساوسة الترانيم بإحدى الكنائس بينما يزرع أخرون في إحدى القرى ويرقص غيرهم بإحدى المدن لتظل مشدوها طوال الفيلم تحدث نفسك : ..وترى كل ذلك يا الله ومازلت تهتم لأمري ؟؟ كم حقير أنا في دولاب كونك الكبير !! لينبهني العقاد بجمله الأولى في الكتاب ((إن العقيدة تعظم في الانسان على قدر إحساسه بعظمة الكون وعظمة أسراره وخفاياه لا على قدر إحساسه بصغر نفسه وهوان شأنه ))...فرحمك الله ياسيدي ..فأنت أجمل اكتشافاتي المتأخرة .

Facebook Twitter Link .
5 يوافقون
1 تعليقات