تاء الخجل > مراجعات رواية تاء الخجل > مراجعة Yasmin Shalapy

تاء الخجل - فضيلة الفاروق
تحميل الكتاب

تاء الخجل

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

بقلم/رتيبة بودلال.

أولا : تاء الخجل…عندما لم يهتز الجسر…

كرائحة الشلالات ، يتدفق إنعاشا و إرواءً، منذ التاء الأولى وحتى الشهقة الأخيرة ينتصر حرف فضيلة لآدمية الأنثى في مواجهة حيوانية الذكر أحيانا، و ساديته بل وازدواجيته أحيانا أخرى…

الأنثى المكبلة حد التشرنق منذ خلقت ، منذ اقتحمت قاموسها تلك الكلمات الطاغية ( عيب، حرام، لا يليق ، ..الخ) وصادرت حقها في أن تكون كما كونها الله : إنسانا كامل الحق في أن يخطىء ويصيب ، يتعلم من أخطائه أو يتمادى فيها ، لأنه( لاتزر وازرة وزر أخرى ) (*) ولأن (كل نفس بما كسبت رهينة) (**)…

فالذكر في (تاء الخجل) هو الجلاد والقاضي وهو الجاني أيضا، أما الأنثى فهي الضحية في جميع الأحوال :

يغتصبها ذكر، ، ويلعنها ذكر ، ويتبرأ منها ذكر ،أما من يتعاطف معها ويرثي لها ، بل وينتحب من أجلها ، ثم يكتب عنها بالصدق الكافي لإدانة الجلاد فلن يكون سوى أنثى مثلها ، أنثى تعترف أنها كثيرا ما هربت من أنوثتها، وربما اخشوشنت مع سبق الإصرار حتى ترتقي عن مرتبة الأنثى التي لا تصلح – حسب المعتقد الذكوري في قبيلتها- إلا للوطء ، ولذلك من العار أن تكون للرجل ابنة أو أخت محرمة عليه حلال لغيره .

الأنثى المخشوشنة ، تمتشق قناعاتها، وانتصارها للحق ، وتعتلي عرش البوح ، تنهمر سردا موجع التفاصيل ، تأخذنا معها في رحلة مبدؤها بستان الأشواك ، ومنتهاها صمت الجنائز عبر جملتها الخاتمة :

( الوطن كله مقبرة.

ولذنا بالصمت) .

وبين المبتدأ والمنتهى محيطات من الألم .

الألم ؟؟ أم أنه مزيج كثيف من المرارات والخيبات ، والخسائر النفسية الفادحة؟

تحملنا بطلة الرواية إلى بيت العائلة ذي الطابقين ، المحصن خلف سور عال ، بل خلف عدة أسوار ،أحدها : سور التقاليد والأعراف التي حولت تلك الفترة من حياة البطلة إلى بستان شوك ، رغم الوردة التي كانت تكاد تتفتح متمثلة في علاقة الحب النظيفة التي ربطتها ب( نصر الدين) والتي اضطرت فيما بعد إلى الزهد فيها ، كنوع من الضريبة القسرية التي على الأنثى أن تدفعها لتصبح أكثر من مجرد أنثى ( كنت مشروع كاتبة ، ولم أصبح كذلك إلا حين خسرت الإنسانة إلى الأبد…)(1) ولأن الحب داء مزمن ، يظل يرابط بين الضلوع رغم المسكنات وحبوب النسيان ، لذلك ظل طيف نصر الدين يحوم في سماء البطلة ، يطل عليها من شرفات يومياتها ، ليستأثر بها رغم افتراقهما ، وظل حضوره اللامجدي يزعجها، ويشوش على طموحها((يزعجني أنك تتواجد في الموقع الخطأ ، في الاتجاه المعاكس لأحلامي وطموحاتي)) (2)، وظلت تتأرجح بين الحلم والحب حتى جاءت سنة العار…من بعدها سنوات الجمر والنار ، ليصبح اغتصاب الأنثى استراتيجية حربية …

إذن الخلل ليس في قبيلة بني مقران وحدهم ، بل هو طبيعة ذكورية متأصلة ، ومعتقد ذكوري راسخ : في الحرب أو في السلم ، الأنثى هي موضوع جنسي خالص ، تصلح للاغتصاب في الفصول الأربعة ، ولو وجد فصل خامس لكان أيضا فصلا للاغتصاب ، المصيبة ليست هنا ، بل هناك ، في القبيلة التي تتبرأ من بناتها ليس لأنهن زانيات بل لمجرد أنهن ضحايا…

يبدأ الفصل الدموي مع قصة الطفلة ريمة نجار ، ذات السنوات الثمانية التي رماها والدها من على الجسر لأنها تعرضت للاغتصاب …بينما حكم على مغتصبها بعشر سنوات….

لكن المنعرج الحقيقي في حياة البطلة( الصحفية خالدة) يبدأ مع يمينة والأخريات ، عندما تتسلم أمرا بمهمة ، لمحاورة مجموعة من البنات اللواتي تم تحريرهن من أيدي الجماعات المسلحة، وهو المنعرج الذي يعيد تشكيل وعيها بالأشياء من حولها ، وحتى بحبيبها : ( في الحقيقة لم أكن واعية تماما بما أحسه اتجاهك ، كانت مشاعري قد حلت عليها العاصفة بمجرد وقوفي أمام غرفة يمينة..شدتني جثتها التي تئن….)( 4) رباه ..صار للجثة أنين ، فأي طعم بقي للحب ؟

مع يمينة ، ورفيقة حجرتها ، ولجت خالدة بوابة الجحيم ، وهي تتفرج على المباشر على انسحاقهن وانذلالهن ، الذي وصل إلى حد الموت بالتقسيط ، كيف لا وها هي يمينة التي أنقذت بعد الولادة وبعد قتل وحوش الجبل لرضيعها ، هاهي تنزف محتظرة ، وتجهش بكاءا لأن الله استجاب لدعائها وجلب لها روائح قريتها عبر شخص البطلة ( ابنة موطنها) وها هي رفيقة يمينة تكشف معصميها المجروحين بسبب ربطهما بالأسلاك أثناء الاغتصاب ، مسكينة ذهب الألم بلبها حتى كفرت بالله( انظري …ربطوني بسلك وفعلوا بي ما فعلوا ..لا أحد في قلبه رحمة ، وحتى الله تخلى عني مع أنني توسلته ، أين أنت يارب ؟ …)(5)

ها هي يمينة، حتى وهي تحتظر تفكر في جلادها الآخر: الأهل …هل سيغفرون لها وقوعها ضحية؟ وتضع خالدة في فوهة البركان ، تضطرها لأن تكذب عليها بإجابتها ( طبعا ) بينما تنفجع هي بإجابة نفسها ( وهل ستكونين أغلى عليهم من الطفلة ريمة على أبيها؟) ، وبينما تموت يمينة بالتقسيط ، تنقضم أحشاء خالدة قضمة قضمة ، وتصاب أعضاء أنوثتها بالشلل التام ، يتفاقم وجعها بتعاظم انتمائها إلى يمينة ، ابنة قريتها ( آريس) ، تشعر بالوصاية عليها وترفض من أجلها الأمر بمهمة ، لن تكتب عنها ، ستزورها وتحمل إليها طلبها المتواضع (جهاز راديو) ، ستتبناها بحنانها الفائض وتتضامن معها ضد الانتهاك البشع ، ستضع يدها في يدها من أجل الحياة ، من أجل التصدي لذلك الزاحف الصامت ، ذلك الذي ظل يباغتها ويحتل يمينة قطعة قطعة ، بينما تضطرها الإجراءات للإجابة عن ذلك السؤال: ( هل أختطفت أم التحقت بالجماعات الإرهابية بمحض إرادتها) ، كان عليها – إضافة إلى الموت بالتقسيط – أن تشرب نخبا من كأس المرار ، ممزوجا بالذل المكثف…وفوق ذلك كان عليها أن تسمع الأخبار التي تحرق الجوف: أهلها رفضوا استقبالها، و رفيقة الوجع رزيقة انتحرت لأنهم رفضوا إجهاضها ، وتركت رسالة تتبرع من خلالها بأعضائها ، أما راوية فقد جن عقلها….كل ذلك كان كافيا ليجعل الموت يصل إلى القسط الأخير ، ويتمم رحمته على يمينة ، يمينة التي زارها أخيرا أخوها العسكري ،لكنها كانت قد انتقلت إلى ثلاجة الموتى…أبدا لن يهتز جسر(سيدي مسيد) تحت قدميها كما كانت تتمنى… لكنها منحت خالدة عينا ثالثة ، وتاءا جديدة ليست للخجل ..

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
2 تعليقات