بابا سارتر > مراجعات رواية بابا سارتر > مراجعة أمل لذيذ

بابا سارتر - علي بدر
تحميل الكتاب

بابا سارتر

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتاب (بابا سارتر) للأديب علي بدر، فيه رواية عربية عراقية قد يتصور عدد من الناس بأنها سرحت في الخيالية، و مع ذلك فأنها تعمقت كثيرا في الواقعية، و إتسمت أيضا بالسحر الجذاب من الناحية الجمالية ، و هي عرجت أيضا على قضايا كثيرة منها السياسية و الإقتصادية و الدينية ، و كأن بها كل شيء من كل شيء ، فمع جرات قلم كاتبها ترسم خارطة العراق ، و الخارطة تم رسمها بأنامل عراقية ، و هذا ما جعل رسمها غني و ثري و أبي !

بالنسبة لموضوع الرواية، فالمرتكز الرئيس فيها كان مناقشة خبايا عالم أشباه المثقفين أو أدعياء الثقافة ، و تحديدا لدى النخبة العراقية ، و أديبنا لم يبخل علينا في ذكر معلومات حقيقية ،و هو يبني موضوعه الروائي ، و هذا الذكر المعلوماتي كسى الرواية بالمصداقية ، فالرواية تبدو فعلا كسيرة بيوغرافية لفيلسوف عراقي معروف ، و هو عبدالرحمن ، الذي منح لقب بسارتر العراق ، فنحن نحس بأن هذه السيرة من فرط مشابتها لشخصيات واقعية ، بأنها إنتزعت من إحدى كتب التاريخ أو كتب الأعلام ، و عالم من نسبوا أنفسهم للثقافة ،إنه العالم الذي يعد الإقتراب منه هو عبارة عن ملامسة ورد محمدي ، ورد شرقي ، في لونه الأحمر القاني ،وما فيه من عنفوان ، و لكن أشواكه مؤلمة ، و تتداعى بتلاته بسرعة بمجرد تحريكها ، فهذا العالم فيه عكس ما يخطر على البال في أول الأمر ، ففيه إقتناء للكتب بهدف التباهي بها ، و فيه ضحالة في المطالعة الفعلية للكتب ، و فيه هوس بإعتناق النظريات الثقافية الأحدث و ربما الأغرب ، فلا يهم تلك الفئة مصدر تلك النظريات ، و لا توابع التشبث بها أو عدمه ، و ربما كل معرفة تلك الفئة عن النظريات التي نسبت نفسها إليها ، هي بضعة أسطر من كتب حفظتها عن غيب ، أسطر ربما لم تفهمها ! و بالطبع ، هذه الفئة تتلون في إتجاهات أصحابها الثقافية شكليا ، و إن لم تختلف في سطحيتها الخفية ،و التي قد تكون بائنة للعيان أحيانا ، و لا يحلو لتلك الفئة التي تدعي النخبوية ،إلا أن تدخل في صراعات جدلية عقيمة لا يتمخض عنا شيء ، فهي فئة لديها إدمان على حب الظهور ،و التمتع بنفوذ تجاه من تنظر لهم نظرة دونية من الناحية الثقافية ، هي ترمقهم بنظرة هامشية إلا عند تمجيدهم لها !

أما بخصوص أسلوب الكاتب، فكان أسلوب زاوج بين جمال عتاقة الماضي و مصطلحات فكرية إختيرت بعناية لتضفي بريق المدنية ، و هذا التزاوج يعكس روح الرواية و ملامحها العراقية و يتماشى مع مضمونها ، فالرواية تدور أحداثها في مناطق شعبية و مناطق أرستقراطية و مناطق ما بين ذلك و ذاك في العراق و أيضا في فرنسا ، و هذا التنوع المكاني خلق تنوع لفظي و سردي ، فالأماكن تحمل بصمات ساكنيها ، فهنا نرى الحس الشعبي الساخر من أدعياء الثقافة ، و هنا أيضا إعترافات هؤلاء الأدعياء فيما بينهم و بين أنفسهم حول عالمهم ، و حتى هذه الإعترافات أخذت حلتها حسب المواقف التي تمت الفضفضة بها ، فمنها ما هو متهكم بمفردات رنانة، و منها ما هو مغرق بالأنانية ،و منها ما هو مبطن بجلد الذات ، فالإعترافات منها ما إتصف بالقساوة، و منها ما إتسم بالغرابة ، و منها ما إرتدى قناع ضاحك ، و منها ما حوى شهقة دمعة ! فإعتناء كاتبنا بالتفاصيل تكقل بإظهار ذلك كله !

و عن التشكيل الخاطف الموجود على أحرف الكلمات ، فنحن عندما نفكر بأن الرواية تدور وقائعها في بواطن عقول أشباه المثقفين، و بأن الممول الأساسي و المغذي لها ،كان الحديث عن نظريات فلسفية و طرائق حياتية ، و هذا التوجه قد يوحي بأن الكاتب إستسلام لهذه الأفكار وحدها ، و لكننا نلحظ دقات قلب تعصف بالكثير من أسطر الرواية ، فالرواية فيها رباعي : الفكر، و الدين ، و المجتمع ، و الحب .فهناك أثير مع زخم الإحتدامات الفكرية و الدينية و المجتمعية ، و هذا الأثير يأتي حاملا معه لوعات حب غير قابلة للتصنيف ،هذه اللوعات تسربت للقاءات شخوص الرواية ، و تشربت رسائلهم بها ، و أحيانا تفتح قلوبهم كاملة لهذه اللوعات ، و أحيانا تساعدهم عقولهم و تشجعهم على الإستمرار فيها ، و أحيانا تحارب عقولهم قلوبهم و تأمرها بإغلاق كل أبوابها تجاه تلك اللوعات ، و إن كانت هذه اللوعات محيرة ، فهي عائمة بين منطقة الصدق و بين منطفة الإدعاء، و هذا أدى إلى تضخم اللوعات في بعض فترات مواقف الرواية ، و إلى تقلبها في فترات أخرى ، فالتيارات و القناعات الفكرية و المجتمعية تدخلت في طرق أبواب اللوعات و كذلك في الإمتناع عن الطرق !

كتاب (بابا سارتر) للأديب علي بدر، فيه سارتر الشرقي في مواجهة مع سارتر الغربي !

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق