ربما كانت مظاهر اللا منطق والظلم المنتشرة حولنا، والعنف والموت الذي أصبح عنواناً رئيسياً لكل نشرة أخبار نشاهدها كل ذلك جعل مشاعري نوعاً ما تتبلَّد وأصبح عدد الضحايا عندما يتم وصفهم برقم منفرد يكاد لا يعني شيئاً فما بالك عندما يقترن الرقم بصفر يرفع من قيمته.. يا إلهي أصبح الرقم عشرة أو مئة وأحياناً ألف تمر مرور الكرام علي، فعلاً التعود على رؤية الموت على ذلك الصندوق أو المُسطح عصف وأصاب حس الإدراك عندي بالعطب .. فموت شخص (1) يعني فقد حياة كاملة تعني لغيري الكثير وقد تتغير حياة من حوله 180 درجة فما بالك ب(2) أو (20) أو (200) أو أكثر، وهذا الشيء أصبحت لا أدركه بكم الموت المتفشي هذه الأيام
أعتذر عن هذه المقدمة فلربما هي السبب في عدم الإحساس بكم البؤس في النصف الأول للرواية التي أصابتني قراءته بالجفاف الشديد التي كدت أن أتشقق بسببه، وكدت أن أتوقف عن قراءتها لولا ثقتي بآراء الأصدقاء الذين سبقوني بقراءتها وعدم اعتمادي على إحساس الجفاف الذي أصابني كمؤشر للتوقف عن قراءتها، بكون ما قرأت شيء عادي ولا يدعو للأسى فما يحدث الآن أشد بؤساً منه !!! وصممت على المواصلة
نقطة الانقلاب في هذه الرواية حدث في منتصف الرواية، تحديداً الصفحة 305 .. "عبثية ماو" ما هذه العبثية؟!! و المصيبة الكبرى أن يكون للعبثية عنوان عريض "الثورة الثقافية" .. من هنا تغير كل شيء وتحولت الرواية من عبء لمتعة .. المتعة بالطبع لفظ عريض في قاموسي يتحمل الكثير ويعني أحياناً عكس ما تعنيه الكلمة "ظاهرياً" فالمتعة في القراءة لا تعني الضحك والمرح والفرح، بل أن يشدني النص،يبهجني، يطربني ولو كان المحتوى مؤلم ومُبكي، والمقياس الأهم أن يعبث بالوقت التي يتحول لمفهوم نسبي، من قراءة للنصف الأول منها (قرابة 300 صفحة) في اثنا عشر يوم إلى قراءة النصف الثاني (قرابة 300 صفحة) في ثلاثة أيام لشخص بطيء في القراءة مثلي ويقرأ أكثر من كتاب في نفس الوقت .. .. لكم أعشق هذا "العبث" ولا أقصد بالتأكيد "عبثية ماو"!!!
أعترف أن الجفاف الذي أصابني في بدايتها قد ارتوى بدموعي في النصف الثاني منها، فكم البؤس،الألم، الظلم، واللا منطق أدهشني وخصوصاً ما أنتجته فلسفة ماو العبثية "شعب ديكتاتوري مبتلى بالمرض البدني أو النفسي أو كلاهما" فعلاً لقد تفنن أشباه ماو من حُكام حكموا شعوبهم تحت مسميات مختلفة في العتو في الأرض فساداً (فليست الشيوعية في النظام الوحيد الظالم في العالم)، ولكن تبقى إرادة الإنسان والرغبة في البقاء خير أمل لنا في هذه الحياة
لو كان التقييم يقتصر على النصف الثاني من الرواية بالتأكيد خمسة نجوم لا تكفي الرواية