الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر > مراجعات كتاب الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر > مراجعة أشرف فقيه

الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر - هشام جعيط
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هناك أكثر من سبب يجعل هذا الكتاب فريداً ومهماً جداً. فهو أولاً يقدم قراءة تراكمية لتاريخ الفتنة. مستفيداً من كتابات المتقدمين والمتأخرين على حد سواء فيقدم رؤية بانورامية إنما معاصرة للحدث. اللغة (المترجمة)أكاديمية وليست مباشرة دائماً وهناك الكثير مما يحتاج لإعادة الهضم. إنه حتماً يحتاج قراءة ثانية.

ثانياً: يتعامل الجعيط مع كل تلك الروايات التاريخية على ذات الدرجة من الشكيّة. إنه يتعامل مع كل نسخة للتاريخ على أساس أنها خاضعة للتزوير والوضع إلى أن يثبت العكس.. إلا إذا دعمت الروايات بعضها بعضاً. ونجد ذلك واضحاً في نظرته لأسطورة ابن سبأ مثلاً وفي قصة التحكيم الشائعة وفي دوافع ابن ملجم الحقيقية لاغتيال سيدنا علي.

ثالثاً: إنه يتعامل مع أعلام التاريخ كشخصيات حقيقية من لحم ودم. كـ "بشر" غير معصومين ولا منزهين عن الخطأ أو الضعف. وبهذا فهو يقدم لنا تاريخاً إنسانياً متحرراً من القدسية وقابلاً للمساءلة. الفتنة عنده منعطف سياسي في المقام الأول إنما محمل بالقيمة الدينية بفضل مقاربته الزمانية لعصر النبي ليس أكثر.

رابعاً: بالرغم من ذلك فإن قراءة الجعيط لتاريخ صدر الإسلام والعهد الراشدي هي قراءة عميقة وحقيقية. إنه ليس مجرد مستشرق مأخوذ بسحر البادية ولا هو جاهل بأيام العرب وتعقيدات البنية القبلية/العشائرية، ولا هو بجاهل بروح النبوة المحمدية. إنه ملم بذلك كله ويدمج معارفه هذه ليربط أحداث الفتنة بزخم العهد النبوي القريب (ما يسميه الميتاتاريخ) وبطموح التوسع الإمبراطوري الذي تغوّل في عهد سيدنا عثمان فكان هو محرك الفتنة الأول.

لقد كانت الفتنة نتيجة حتمية لتحول دولة الخلافة إلى إمبراطورية مترامية الأطراف ذات فضاءات مستقلة في الشام والعراق ومصر استقر بها الفاتحون العرب كأوطان جديدة. وبعد عشرين عاماً من وفاة النبي تكون جيل ممزق بين القيم النبوية الباهرة التي يمثلها جيل الصحابة في مكة والمدينة، وبين قيم الفتح الذي يعد بثروات مهولة يرونها تجري بين أيديهم في أوطانهم الجديدة. حركة الفتوحات ونزوح القبائل من جزيرة العرب إلى الأمصار المفتوحة خلق مصالح مادية متضاربة ومرتهنة أيضاً باعتبارات قبلية وثارات قديمة أيضاً كبتها الإسلام إلى حين. هكذا تشكلت الأحزاب الأولى لتبلور أيدولوجياتها الأزمة: القراء الذين صاروا خوارج، العثمانية الذين صاروا شيعة معاوية، والكوفيون الذين صاورا شيعة علي.

لقد حاول سيدنا عثمان أن يعبر بالأمة ذلك الحد الفاصل بين العهد النبوي المترع بالمقدس والعهد الإمبريالي المترع بالماديات فكانت الفتنة. لأن عثمان اصطدم أولاً بفصيل من الصحابة لم يتقبلوا هذا الانتقال ورفضوه. بشكل ما تم لوم عثمان رضي الله عنه لأنه لم يكن نسخة أخرى من سيدنا عمر بن الخطاب!

لقد كان الإمام علي هو آخر الصحابة الكبار القادرين على السير بالأمة بين ذينك العالمين. لكنه لم ينل فرصته كاملة أبداً. حاول علي أن يكون رجل سياسة فاصطدم براديكالية أصحاب الجمل (عائشة وطلحة والزبير عليهم رضوان الله). وحين تعامل مع الموقف براديكالية قوامها المبدأ اصطدم ببراغماتية معاوية وعمرو رضي الله عنهما. ثم لامه على مواقفه أصحابه الذين خرجوا وتمردوا عليه.. تلك الفئة التي رأت أنها الأولى منه بتطبيق النص القرآني.. والمدهش أن نهاية علي كانت على يد أولئك بالذات! وتلك كانت الذروة الدرامية لقصة الفتنة المعقدة كما يرويها هذا الكتاب الشامل والبديع.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
4 تعليقات