Aug 30, 2012
انتهيت لتوي من قراءة الرواية ، و لو أني تحريتُ منها موقفاً أدق سأقول أن الرواية انتهت و ابتدت الحكايةُ لتوها ، فنَص الروايةُ لم يكن عقلي و مداركي تتعامل معه بروح الرواية التي انتهي من من فصل لأٌجهز على الآخر ، بل كانت فصولوها تفصلني روحاً و جسداً و تُعيد جمعهما و لملة شظى أفكاري بتوائمٍ أعلم أني سأفتقده و سأعترض لنوبات إنسحاب لذيذِ سُمها من خلايا روحي .
صُلْبُ الرواية مُتسقُ بتناغمٍ بديع مع حكاياتها الجانبية التي ما خرجت في أيٍ من مواضيعها عن الصلب فأخذتني نشوة الحكايات الجانبية في دوامتها دون إنحرافٍ عن "يحيى" صديقي الذي عايشتهُ و سهرتُ معه ليالي نتجاذبُ أطرافاً مِن كُتبٍ قدست بنور ربها ، أو وَجلت لها صدورنا و كشَفت سؤل لاح يوماً بخاطرنا فانجلى ، مُنذُ ان غَمس اصبعه بقنينة الحبْرِ بالكتاب ضحك الجمْعُ سخريةً إلايّ خَبُرتُ في نورٌ برز بعينيه نشوةُ التأمل و مع خطوط الضوء و مبرزاتها مع الظلِ تبينت أنه يدنيني .
الروايةُ تثبتُ أركانها أوتادٌ أربع ، التاريخُ و الجغرافيا أو (الجغرافيا التاريخية) و السياسة و الإجتماع و التأمل ، يشد الأخير وثاق سابقيه بحنوٍ و صبر و تمهلٍ في إطلاق الاحكام و الإستيعاب الكُلي للتفاصيل ، طارقةً فترة غفل عنها لأنها حقاً مرهقةً من كثرة مصائبها و حوادثها المفصلية ، فآل عُثمان في القسطنطينية و في قبضتهم الشام و مصر التي كانت ما تزال في قبضة المماليك و ملامح الحياة السياسة المُتقاربة حد التطابق ،و تأثير ذلك على المجتمع الطبقي المُنقسم بين نبلاء و موالوون و شعب مُنهك وراء قوته، و انعكاسات ذلك في مرآة الإقتصاد ترى "سميحة خريس" بعين يحيى الحُر و تجعلك ترى بناظريه المتقلبتين في السماء راقصاً على سُلم الشك فاليقين مسحوراً بعيون الحكمة تذيبه معانيها الباطنة و بين مجلس ابن عربي بفتوحاتهِ و فصوصِ حِكَمه ماراً بالحلاج الذي تقاسم معه مصيره ، مسافراً في البلاد بين الكرك و سيناء و القاهرة فدمشْق مراقباً لإختلاف الأرض – رغم اقترابها- و العباد .
مناظراتٍ عدة في الرواية تجعلك الكاتبة تجريها بنفسك طواعيةً إذا ما تبينت ، فما أشبه الحال بين عُلماءِ أمتنا الحاليين الذين يتتشاغلون بهمومِ الامةِ بفقرائها و مُشرديها و مستعبديها الواقعين تحت بطش الطغاة في سبيلِ قشورٍ لا تسمن و لا تغني من جوعٍ على اختلافِ أنواعه ، فعلماء الأمس تركوا عبادة الشعبِ للسلطان و مقاسمته لهم أرزاقهم و تفرغوا لتبين ما إذا كان البُن حلال أم حرام ، كما يفعلها معاصرونا مع القياس ، ملقيةً بين الفينة و الأخرى الضوء على ومضات و شذرات تاريخية تضع على عاتقك واجب البحثِ عنها لمعرفة مُجمل الوقائع بطريقةٍ جعلتني أعتقد أنها عن قصد تفتحُ للقارئ عيناً على مُلماتِ شَكّلت واقع ما آل إليه الفكر الإسلاميّ و هو ما أكده ذكرها لكل المراجِع التي اقتبست منها أو عرجت عليها في الإرتقاء بنصِ روايتها التي ما خطتها إلا لحاجةٍ في نفسها قضتها .
الفَصلُ الأخير تحكي من خلال مُحاكمة بطلِها تاريخاً للتسييس الدين لخدمة الراعي و تقنين بطشِه فهو – الزلزلة- التي أعدها مرجعاً عصرت فيهِ فِكرها و أودعته خِتاماً لمن أراد إلى التَفَكُر سبيلاً .