مريم الحكايا > اقتباسات من رواية مريم الحكايا > اقتباس

لكنها في ذلك اليوم لم تستسلم لسماعه أكثر، عبرت المسافة من الطاولة إلى مدخل المقهى، وهي تحسب أن كل خطوة تقطعها هي آلاف الأميال. خرجت بقوام مستقيم، ببرودة قاسية تخفي ركبتين ترتجفان، كأنها تمشي على جمر حارق، وتذكرت مشيتها وهي تدخل المقهى للقائه، تتمايل كغيمة حبّ، عابرة بابتسامة تسبقها إليه، وشعرها الطويل على كتفيها تضربه بيديها إلى الوراء ما إن تراه، كأنها تقول له إنها حواء المخلوقة من ضلعه.

خرجت وتنهّدت وكأن أضلع صدرها تطبق على أنفاسها. بلعت عيناها الدمع، فيما الشارع بدا وكأنه يبتلع خطواتها، إلى أن وصلت إلى السيارة، فتحتها وجلست خلف المقود رافعة رأسها، ملقية به على مسند المقعد. بلعت دمعتها ثانية فيما لم تستطع أن تبلع ضحكتها العالية وهي تتذكر أول مرة قال لها أحبك، قالها يومها وكأنه متأثر بشعراء الحداثة. قال لها إنه يحبها كما يصل الحب إلى قمة الحب، كما يعربش الصمت إلى قمة الحب: أحبك وأتنفس حبك في خلايا جسمي، في رائحتي، في ثيابي، في الأمكنة كلها. أصبحت أنا إنت، وحين أتكلم مع الناس تختلط عليّ أسماؤهم، أشعر أني أكلمك أنت، بتّ لا أعرف الكلام إلا معك، كأني أتحدث مع نفسي، أنت تقبلينني يا ابتسام، تقبلين ضعفي، تقبلين صوتي، حين يرتفع، ودمعتي حين تنزل، أنت تحتوينني.

ودمعتها احتوتها لأيام طويلة.

الشرش الذي تحدث عنه دعاه لأن يتزوج إحدى قريباته المقيمات في البرازيل، والتي لا تعرف إلا بضع كلمات عربية، جاء بها أهلها للاصطياف في القرية بعد أن سمعوا أن الحرب قد توقفت في لبنان، ولعلهم لم يسمعوا أنها كانت وقتها تتوقف وتعود لتمشي. المهم أنهم جاؤوا بها إلى لبنان لتتعرف إلى وطنها وأهلها وليجدوا لها عريسا مناسبا من بلدها. مراسم الزواج تمّت بأسرع ما يمكن، وعاد كريم يضحك وهي تقول له: "هبيبي" باللكنة الأجنبية.

مشاركة من المغربية ، من كتاب

مريم الحكايا

هذا الاقتباس من رواية

مريم الحكايا - علوية صبح

مريم الحكايا

تأليف (تأليف) 2
أبلغوني عند توفره