حذاء فيلليني > اقتباسات من رواية حذاء فيلليني > اقتباس

تأخرت كثيراً، ولكني أخيراً استطعت نيل شرف قراءة رواية "حذاء فيلليني" للروائي المصري وحيد الطويلة. الرواية مهداة:

إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد.

إلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا.

كان حسناً أن الإهداء جاء بدون تخصيص أحد أو اسم معين، فأنا أعرف أنني أحد الأسماء التي راودت الكاتب مراراً، كما جاء المكان الذي تجري فيه الأحداث معوَّماً غير محدد الاسم أيضاً، إذ يمكن أن يكون مصر أو العراق أو ليبيا أو السودان، وإن كنت أرى أن سوريا هي الساحة الأقرب لطبيعة الأحداث. أدهشتني سعة معرفة هذا الروائي المصري بخصوصيات وتفاصيل سورية عديدة بما فيها الشعار البعثي المجنون " حلَّك يا ألله حلَّك القائد هيحلّ محلك". ولكي لا يحصر الكاتب هذا الشعار بحافظ الأسد فقد وضع بدلاً منه لفظة "القائد". إنه شعار أسدي بحت، إذ لم يصل جنون العظمة لدى الزعماء المصريين إلى هذا الحد.

بالطبع أنا أعرف حدودي ولا أتجرأ على لعب دور الناقد في أي مضمار أدبي باستثناء الشعر. ولكني أستطيع الحديث عن بعض انطباعاتي وتساؤلاتي الشخصية. لغة السرد عند وحيد الطويلة لا تكتفي بعرض الأحداث بأقصى قدر من الاقتصاد والوضوح، بل تنحو كثيراً باتجاه المجاز أو البلاغة التي تجعل المكافئ اللغوي للوقائع أكثر تأثيراً من قبيل "حتى الفرس ترفس حصانها برجليها لا علامة على الرفض، بل تدق الموسيقى قبل النزال" أو "ليدغدغ غدد النضال المتوفرة بكثرة عندنا" أو " تداعت أسنان الغرام عندي" أو "أربِّت عليها بعيني" إلخ. استعارة الكاتب لحذاء فيلليني ورفدها بكل أنواع ومواصفات وتفاصيل الأحذية وحتى استقراء الأحذية ودلالاتها وإحساس الآخر حيال شكلها أو حجمها أو تدبيب مقدمتها أو ضيقها أو خوف الأصابع من أن تتحرك داخلها أو أصواتها وإحالاتها. الحذاء أحد أبطال الرواية وهو يتسع هنا لكثير من المعاني والدلالات في البلاد المحكومة بقوة القمع والعسكر. لفتني كثيراً استخدام الكاتب لضمير المتكلم والمخاطب، وبالتالي قدرة الولوج إلى راقات أكثر عمقاً في النفس البشرية. هذه الرواية مكسب مهم للحرية والجمال والحياة في مواجهة السجن والبشاعة والموت، وكم تمنيت لو توفر للرواية سيناريست ومخرج محترمان، إذن لكان المكسب أوسع انتشاراً وفائدة. الغريب أن الرواية شدتني بقوة رغم أني سجين سابق لا يحب قراءة كل ما له علاقة بالسجون، بما فيها قراءة ما كتبته أنا عن تجربتي.

فرج بيرقدار العظيم

مشاركة من Waheed El-Tawella ، من كتاب

حذاء فيلليني

هذا الاقتباس من رواية